العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ

«فتتبّعوه رميماً»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سيدخل يوم أمس، الأربعاء 22 فبراير/ شباط، التاريخ باعتباره يوماً أسود في حياة العراق والمنطقة الإسلامية، بعد أن تطاولت أيدي القتلة التكفيريين إلى أحد الأماكن الإسلامية في أرض الرافدين.

العراق، الذي ارتفع ذكره بنهضة أبي الأنبياء إبراهيم (ع)، كتب الله له أن يكون مرقداً للكثير من أئمة المسلمين، في مقدمتهم عليٌ والحسين، وكوكبةٌ من أهل بيته وأنصاره، وعدد من الصحابة الأجلاء والتابعين.

غالبية هؤلاء الأبرار مضوا إلى ربهم شهداء راضين مرضيين، على أيدي عتاة البشرية ومنحرفي العقيدة وعبّاد الدنيا. عاشوا مطارَدين مضطهَدين، وبعد الممات ظلّت شراذم الشرّ تلاحقهم عبر القرون، تعيسٌ يرث تعيساً... حتى يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها.

ويوم أمس، خرجت شرذمةٌ من مخلّفات أزمنة الفتنة، وبقايا خوارج العصر، لتفجّر مرقد اثنين من أئمة البيت النبوي الشريف، ليسجّل هؤلاء البرابرة على أنفسهم عار الأبد، جرياً على سنّة أسلافهم الأقدمين، من حكامٍ جبابرة، وسلاطين مستبدين.

عليٌّ (ع) مثلاً، كان يعرف نفسية خصمه الذي سيطارده حتى في قبره، لذلك أمر بأن يدفن ليلاً، وظلّ قبره سرّاً مجهولاً للمسلمين، حتى دلّ عليه حفيده الصادق (ع) بعد أكثر من قرن.

المتوكّل العباسي، الذي كان شديد الحقد والبغض لأهل بيت النبي، حاول هدم ضريح الحسين(ع) ونبش قبره، وحرث تلك البقعة وأجرى الماء عليها، ليمحو معالم القبر. وقال الحافظ جلال الدين السيوطي عنه: «أمر بهدْم قبر الحسين وما حوله من الدور، وأن يعمل مزارع، ومنع الناس من زيارته، وخُرِّب، وبقي صحراء».

ولأن هذا الفعل الشاذ بعيد عن روح الاسلام وأهله، وأشبه بأخلاق الأجلاف الوثنيين، فقد احتج أهل بغداد، عاصمة الخلافة آنذاك، بالتعرض إليه في المساجد والكتابة على الحيطان، وهجاه الشعراء، ومن أقذع ما قيل فيه:

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا ......في قتلِهِ فتتبّعوهُ رميماً

جريمة يوم أمس، تمت فيها استباحة حرمة الموتى، والاعتداء على قبر اثنين من أحفاد النبي محمد (ص)، ممن قضوا ظلماً قبل 12 قرناً. أحدهما علي الهادي، الذي ولد في العام 212 هـ، وقضى بالسم على يد المعتز العباسي، عن 41 عاماً. أما ابنه الحسن العسكري، فقد قضى مسموماً أيضاً عن 28 عاماً، على يد المعتمد العباسي. كلاهما وُلِد في مدينةِ جدّه بالحجاز وعاش غريباً مطارداً، وليدفنا في سامراء، حتى انبعث أشقياء هذا العصر بعد 1167 عاماً، ليدمّروا المرقد على من فيه، أحياءً وأمواتاً، وليشهد العالم جريمة البغاة المتوحشين، التي ترتكب باسم الاسلام والجهاد.

المرجع السيستاني طالب أمس بعدم مهاجمة مساجد السنة، والرئيس طالباني تكفل بنفقات ترميم الضريحين، ورئيس الوزراء الجعفري أعلن الحداد ثلاثة أيام، فيما وصف رئيس ديوان الوقف السني التفجير بأنه «عمل إجرامي وجبان». مثوى الإمامين الشهيدين سيتم إعماره من جديدٍ حتماً، كأحسن ما يكون إعمار المساجد والقباب، ومع ذلك ستبقى سحابة ثقيلة من الحزن جاثمة طويلاً على قلوب المسلمين. وقى الله العراق وشعبه أصحاب الفتن الذين مازالوا يواصلون نهج الظالمين في تتبّع رمم الأئمة في القبور.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً