العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ

الاستهلاك المادي وخواء إنسان العصر

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تحدثت في المقال السابق عن سيطرة الغرب واستغلال التقدم العلمي والتكنولوجي باسم العولمة... وبزوغ الاستعمال الجديد الذي بإمكانه إخضاع الألوف من البشر وقتلهم بمجرد تلويح ورقة المقاطعة. والفلسفة الغربية المادية على رغم كل تقدمها، غابت السعادة والفرح عنها، فباتوا كالمكائن المتحركة، تائهين مغيّبين من دون حماس حقيقي للحياة.

إن ازدياد نسبة الأمراض النفسية وارتفاع معدلات الجريمة ومحاولة ملء الفراغ بكل توافه الحياة، من رقص مبتذل ونشر المغريات الجنسية في كل مكان، ولجوء الشباب إلى المخدرات والكحول وممارسة الرذيلة واستباحة الموبقات والمحرمات الدينية والتدخل في أدياننا ونشر الوسائل الكارتونية الرخيصة في إعلامهم، كل هذه الدلائل إثبات على الفراغ الهائل في قلوبهم، مع كثرة السيولة المادية وتوافر أسباب الراحة المعيشية.

إن هذا الاستهلاك غير الطبيعي لملذات الحياة أتى بعد إغلاق دور العبادة وتحويلها إلى بارات ومطاعم كأحد المستلزمات العصرية للترفيه المادي. فابتعد الإنسان عن ذاته وعقيدته وبات شكلاً بلا مضمون وقالباً من دون قلب. وأصابه الألم والأوجاع الداخلية لخلو روحه من العقيدة الإلهية، ولكونه لا يخاف من العقاب فلا حافز لديه لإبقاء شيء على حاله، فهو يؤذي الآخرين لا لشيء بل لمجرد التسلية فقط. فتباعد الناس عن بعضهم وأصابت العزلة مجتمعاتهم، وبدأ التفكك العائلي ليصبح صفة أساسية، وأصبحت العلاقات الإنسانية مكبلة مادياً وغاب الحب وباتت المشاعر والعواطف موضة قديمة!

لقد بات الغرب يحسد الشرق لحميميته وللتكاتف الإنساني الذي مازال يعيشه، ولوحدة العائلة وتكاثرها، فبدأوا يطالب بعضهم بعودة الكنائس والأديان من جديد، وانتشرت مدارس الروحانيات من اليوجا والتأمل... إلخ. وفي الوقت الذي بدأ الغرب يراجع حساباته، بات الشرق يحاول تقليد الغرب وخصوصاً بعد هطول النفط والثروة الحديثة! والسير تماماً في الاتجاه المعاكس، فبات الاستهلاك والإهدار في كل زاوية، وتنافس الناس في بناء القصور السكنية والمفاخرة في اللبس وكثرة الخدم، بما لا يتماشى إطلاقاً مع حداثة العهد في دخول المحال!

وأتى مصاصو الدماء من الدول البعيدة للغرف من هذه الثروة السهلة من خلال تسويق المنتجات عديمة الفائدة والكماليات، وخلق منافسة أساسية في تسويق المجمعات والمطاعم والكافتيريات مع الشيشة (الضارة) ومحلات بيع الشكولاتة والهدايا والورود المبالغ جداً في أسعارها، من أجل الربح السريع! وازدهرت حفلات أعياد الميلاد والزواج في الفنادق... وبات التنافس على أشده! ونسي الناس حياتهم وباتوا مشغولين بالاقتناء والاستهلاك، ظناً أن هذه الأشياء من لوازم السعادة، وابتعدوا عن ذواتهم أيضاً. إن ما أخشاه هو ليس فقط نفاد الثروة في فترة قياسية دون بديل حقيقي لها، بعد انتهاء النفط، لكن ما أخشاه هو الاستهلاك الذي أصبح يرافقه التفتت العائلي وزيادة حالات الطلاق وقسوة القلوب وضياع السعادة التي كنا نعيشها والتي حسدنا عليها الغرب.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً