العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ

إنهم يعلمون ماذا يفعلون

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إنهم يعلمون ماذا يفعلون. فالحفنة المجرمة التي تسللت إلى مقام الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (رض) ونسفت قبته ليست بريئة. فهي أقدمت على جريمتها الشنيعة عن قصد، وبهدف إثارة فتنة طائفية/ مذهبية خططت لها قوات الاحتلال الأميركية منذ اتخذت قرار الحرب. فهذه الحفنة من المجرمين تعلم ماذا تفعل. وهناك من شجعها على اقتراف جريمتها النكراء وخطط لها وفتح لها الباب وسهل مرورها لارتكاب هذا الفعل بحق مقام له مكانته التاريخية وقدسيته ورمزيته.

إنهم يعلمون ماذا يفعلون. فالحفنة الكافرة درست مسرح الجريمة وأدركت سلفاً أن خطتها ستكون لها انعكاساتها السلبية وسيكون هناك ردود فعل عليها وأنها في النهاية تصب في دائرة الفتنة وتخدم ميدانياً سياسة الاحتلال التي جاءت أصلاً إلى بلاد الرافدين لتقويض الدولة وتمزيق العراق وتشريح المجتمع إلى دويلات طوائف تتقوقع في مناطقها وتتناحر ضد بعضها بعضاً.

من فعل هذه الفعلة ليس بريئاً، فهو يعلم كيف ستكون التداعيات وكيف ستتجه رياح الفتنة، ومن سيكون المستفيد منها، ومن المتضرر. هذا النوع من الأفعال ترتكبه دائماً مجموعات منظمة وواعية ومرتبطة بشبكات لا يستبعد أن تنتهي خيوطها في مبنى البنتاغون.

إنها مدرسة. وهذه المدرسة متعددة الفروع والألوان وتعمل في سياق موحد ومبرمج. ومثل هذه المدرسة ليست بريئة ولم تأتِ مصادفة مع الدبابات الأميركية إلى العراق.

إنها سلسلة حلقات من الصعب عزلها عن بعض، ويستحيل تصور وجود براءة في أفعالها وتصرفاتها. الحلقات مترابطة وموصولة بدءاً من تلك الرسوم المسيئة للإسلام والمسلمين في الدنمارك، مروراً بتلك الجيوب التي ارتكبت اعتداءات ضد كنائس في منطقة الأشرفية في بيروت... وانتهاءً بتلك الجريمة التي اقترفت بحق مقام الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء. إنها حلقات تنتمي إلى مدرسة واحدة يطلق عليها اسم: فرّق تسُد.

إنها فرقة شيطانية لا دين لها ولا لون ولا إيمان ولا معتقد. وفكرة هذه الفرقة تقتصر على إشعال نيران الطوائف في منطقة تكثر فيها الملل والنحل والمذاهب. والولايات المتحدة حين قررت حربها على العراق وثم بلاد الشام كانت تعرف تركيب الاجتماع البشري لهذه الجغرافيا السياسية. فالمنطقة من الساحل الشرقي للبحر المتوسط وصولاً إلى شطّ العرب تكتظ فيها المذاهب والطوائف والملل والنحل والفرق على أنواعها... وهذا الأمر كانت واشنطن على دراية به مهما ادّعت جهلها بالموضوع.

هل بدأت الكتلة الشريرة التي تقود سياسة «البيت الأبيض» في تنفيذ مشروعها الحقيقي، أم أنها تنتظر المزيد من الشحن والتحريض والتأليب حتى يعلن الرئيس الأميركي نجاح خطته «الإصلاحية» في المنطقة؟

أميركا تراهن كثيراً على الفعل وردود الفعل. وهذا ما بدأت بالتخطيط له منذ إعلان جورج بوش احتلاله للعراق وتقويض دولته وتهديد دول الجوار بالمصير نفسه. فمنذ تلك اللحظة تحول العراق إلى قطب جاذب يشد مجموعات غريبة عجيبة من المرتزقة، قيل إنها نزحت من كل حدب وصوب وتجمعت هنا وهناك. وأخذت فرق المرتزقة بمراقبة سمعية بصرية من الاحتلال في شن هجمات غير مفهومة وغير مبررة على المساجد والكنائس والحسينيات، تقتل الأبرياء وتخطف النساء وتقطع الرؤوس على شاشات التلفزة ومواقع الإنترنت.

كل هذه الأفعال حصلت جهاراً نهاراً بعد الاحتلال الأميركي لا قبله. وهذه ليست مصادفة. فتلك الأعمال الشنيعة أخذت تشق الصفوف وتثير الرعب والاشمئزاز من المقاومة التي تحارب القوات الأميركية. فالهدف المباشر كان محاولة عزل المقاومة عن الناس. أما الهدف الخفي فكان يريد عزل الناس عن بعضهم ودفع كل فرقة للانكفاء إلى منطقتها والانزواء إلى داخل طائفتها أو مذهبها. هذه الشبكة العنكبوتية من الخلايا المترابطة والمرتبطة بجهاز تحكم يديرها وفق الاتجاهات التي تريدها البنتاغون نجحت في خطتها جزئياً ولم تستطع دفع الناس إلى المواجهة والتقاتل. وبسبب تأخر الخطة المرسومة اضطرت الإدارة الأميركية مراراً إلى الإعلان عن فشل مشروعها. فالمشروع الذي كانت تقصده واشنطن ليس الإصلاح والديمقراطية وإنما مخطط الفتنة. فأميركا استغربت وضمن حساباتها الخاصة تأخر مشروع الفتنة في العراق. ولذلك اتجهت إلى مناطق مجاورة ودول الجوار لاختبار مدى انعكاس تلك الأفعال الشنيعة وحدود تأثيرها السلبي على تعايش الملل والنحل في تلك المساحة الجغرافية الممتدة من شط العرب إلى ساحل الشام في شرق المتوسط.

الآن كما يبدو اكتملت خطوط الفتنة وارتسمت حدود الحروب الأهلية السياسية وبات على الاحتلال أن يوقد الفتنة بإشعال عود الكبريت... وبعدها تتكفل النيران بمهمتها. التخلف وما يعنيه من امتدادات هو الحليف الطبيعي للفتنة وهو يتكفل بتموين ذاته ولا يحتاج إلى احتلال بعد أن نجح الأخير في رسم الخنادق وترسيم حدود الطوائف والمذاهب والدويلات تحت مسميات «حداثية» و«تغريبية».

إنهم يعلمون ماذا يفعلون. والولايات المتحدة مهما حصل ستبقى هي الطرف المسئول أمام القانون والمعاهدات والشرعية الدولية عن كل قطرة دم تُسال وكل بيت يُهدم وكل مقام يُدنس وكل مسجد يُقوّض

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1266 - الأربعاء 22 فبراير 2006م الموافق 23 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً