التجربة التي يخوضها فريق عمل برنامج «نماذج نجاح» ليست المحاولة الأولى التي يقوم بها شباب بحرينيون في مجال الأعمال التوثيقية. وهي إن نجح العاملون عليها في استقطاب اهتمام ودعم مختلف الجهات الخاصة والحكومية من خلال عرضها على أقل تقدير، ستشكل قفزة هائلة في مجال الإبداعات الشبابية البحرينية. لكن «نماذج نجاح» ليس أول عمل توثيقي شبابي بحريني، ولن يكون الأخير، اذ سبقته أعمال كثيرة لعلها لم تحظ بالدعم ذاته الذي حصل عليه هذا العمل وذلك الذي يفترض ان يحصل عليه بعد عرضه الأول، أو لربما لم يحظ أحد بفرصة مشاهدتها سوى صانعوها ومبدعوها. لعل أهم تلك التجارب، التي سنحت لي الفرصة للاطلاع عليها، التي تمكن منتجوها من عرضها في عدد من الجمعيات والمراكز الأهلية، هو الفيلم التوثيقي الذي انتجته فرقة جوالة المالكية تحت عنوان «عذراء البحرين». هذا الفيلم جاء كجزء من حملة وطنية دعت إليها مختلف الجهات المهتمة بالشئون البيئة في البحرين ومنطقة الخليج، وتبنتها جوالة المالكية بهدف المحافظة على ما تبقى من الشعب المرجانية في منطقة الخليج.
وللحق فإن «عذراء البحرين» جاء فيلماً مميزاً أسأل كيف غفلت عن قيمته الفنية والعلمية عيون مسئولي الإعلام لدينا فلم يكترث أي منهم للاستفادة منه بعرضه على فضائية البحرين التي تكاد تحتضر أو على الأقل بالاستفادة من الابداعات الشبابية التي قدمته في صنع أعمال مشابهة.
هو فيلم توثيقي لكنه على رغم ذلك يأسرك منذ بداياته، تماما كما أسر سحر كائنات المرجان الاسطورية جوالة المالكية واستثار فضولهم فدفعهم لابداع هذا العمل. وهو فيلم يمتلئ بكثير من الحقائق الجغرافية والفرضيات العلمية لكنه على رغم ذلك يستثير أوجاع مشاهده ويخلق في نفسه هماً بيئيا وطنياً إقليمياً، ويعصر قلبه ألماً وحسرة على أمجاد «بيئية» قديمة يكاد سحرها يزول ويوشك ما تبقى من بريق جمالها أن يذبل ويتلاشى من بين أصابعنا.
هذا الفيلم لم تمتزج الدراما فيه بالتوثيق كما هو حال «نماذج نجاح» لتشد متفرجيه، لكنه على رغم ذلك يسحرك بصوره التي تمتلئ روعة وهي بحسب التعليق المصاحب «استولت على لب الأجداد وشطحت بخيالاتهم بعيداً» وجعلت من جوالة المالكية «أسرى ذات الشعور». أخذتهم روعة الشعاب المرجانية والصور التي وثقوها لأكبر مستعمرة لهذه الشعاب في مياه البحرين وهي مستعمرة هير أبولثامة التي تقع على بعد 12 ميلاً بحرياً شمال مملكة البحرين.
هي مستعمرة أسماها جوالة المالكية «المتحف الطبيعي» وتحدثوا عنها عبر فيلم، هو أقرب لتحقيق صحافي مصور، بلغة تمتلئ حباً وتفيض رقة، ثم جاء تعليق ابراهيم السفسيف بصوت تتدفق من بين نبراته عاطفة قوية وحب بيئي بحري جارف، تصحبه موسيقى تمتلئ حركة واثارة و... كثير من المشاعر الرومانسية.
«عذراء البحرين» الذي كتبه سعيد منصور، بينما قام باخراجه سامي عباس ليس انتاجا ابدعته مجموعة من الهواة بل دراسة علمية متخصصة موثقة بشهادات الخبراء والصور الحية التي سجلها الجوالة أنفسهم بتصوير لا يقل روعة عن كثير من الأفلام المتخصصة التي تطالعنا بها مختلف القنوات العالمية.
«عذراء البحرين» هو خطوة أولى في طريق طويل يجدر بالمسئولين في وزارة الإعلام احتضان طاقاته والمبدعين فيه، دون تحيز أو تحامل، على الأقل كمحاولة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من ماء وجه فضائيتنا البحرينية!
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 1265 - الثلثاء 21 فبراير 2006م الموافق 22 محرم 1427هـ