القصد من التمكين السياسي ليس المشاركة في النظم القائمة كما هي عليه، بل العمل الحثيث لتغييرها واستبدالها بنظم إنسانية تسمح بمشاركة المواطنين والنساء والأقليات في الشأن العام وإدارة البلاد وفي كل مؤسسات صنع القرار ضد هيمنة الأقلية المتنفذة.
وفي الحديث عن كيفية تنفيذ التمكين، تركّز النظريات على أهمية تضمين السياسات وجهة نظر وخبرات الفئات المتضررة مثل أصحاب القضية ومؤسسات المجتمع المدني الراعية لتلك القضايا. ومن هذا المنطلق حرصنا على المشاركة الايجابية وبرؤية مستقلة، في برنامج التمكين السياسي الذي نظّمه المجلس الأعلى للمرأة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والخاص بتدريب المدربين بهدف نقل ما يكون جديداً لباقي النساء والرجال المشتغلين في مجال التمكين السياسي.
هذا البرنامج الذي أضحى تحت الإدارة شبه التامة للمجلس الأعلى للمرأة على رغم الدور والجهد الكبيرين اللذين يبذلهما مندوبو برنامج الأمم المتحدة، حتى بات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منسياً، وظهر المجلس وكأنه الجهة الوحيدة الساهرة على تمكين المرأة من مرشحات ومدربات ومساندات في إدارة الحملات الانتخابية.
وحتى لا نتهم باللاموضوعية، نقول بموضوعية ان موضوعات كثيرة في برامج التمكين قد تكون ذات فائدة معرفية ومهارية عالية بالنسبة إلى المشاركات ذوات الخبرات القليلة والمتوسطة، ولاسيّما عندما تكون الموضوعات المتناولة متعلقةً بالمفاهيم والمهارات الصرفة التي لا تحتمل التأويل، مثل فنيات إدارة حملة انتخابية، أو مهارات التواصل الناجح مع أجهزة الإعلام.
ولكن الأمر يختلف عندما نتكلم عن قضايا قانونية وسياسية، فهنا تتدخل التأويلات التي يسوقها المدرب أو المحاضر وتنعكس رؤيته السياسية وتوجهاته ومواقفه في شرحه وعرضه. ففي دورة إدارة الحملات الانتخابية التي حضرتها أخيراً، جاء المستشار القانوني ليتحدث عن نظام الانتخاب البحريني وعن بعض قضايا الانتخاب، وتشعب الحديث إلى مضامين قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون مجلسي الشورى والنواب، ولاشك أن هذه الموضوعات ثقيلة، وخصوصاً لمن لم يعتد سماعها خارج الجمعيات السياسية.
جاءت الملاحظة الأولى من كاتبة المقال على تعليق المستشار بأن نظام الانتخاب الفردي على دورين الذي تتبعه المملكة هو الأفضل مقابل نظام قائمة التمثيل النسبي، وعلى سرده المزايا المتعددة لصالح النظام الأول (نظامنا)، مقابل عيوب الثاني واحتمالات التزوير فيه، فقد تم تذكيره بنتائج دراسات المؤسسات الكبيرة المحايدة العاملة في نظم الانتخاب مثل المؤسسة الدولية للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (آيديا)، التي تبين انتقال غالبية الدول حديثا إلى نظام قائمة التمثيل النسبي أو إلى الأنظمة المختلطة. كذلك أشرنا إلى نتائج الدراسات المبينة أن التزوير يكثر في النظام الأول، (نظامنا)، وليس في النظام الثاني بحسب دراسة الحالات. ففي نظامنا الانتخابي وغيره من النظم في عائلة نظم الغالبية التعددية، تكون الدوائر صغيرة عادة وتكون الفرصة سانحة للتلاعب في حدود الدوائر الانتخابية بطريقة تنتهك مبدأ تساوي الصوت بالنسبة إلى الناخبين. وجميعنا يعلم الفرق في القوة التصويتية للمواطنين بين المحافظتين الجنوبية والشمالية في انتخابات 2002 البرلمانية.
كذلك اختلفت المشاركات العضوات في الجمعيات السياسية مع المستشار عندما أكد إمكان تعديل كل ما صدر من قوانين ومراسيم بقوانين ومراسيم ولوائح وأوامر وقرارات وإعلانات معمول بها قبل أول اجتماع للمجلس الوطني، وذلك كما ذكر وفقاً للمادة 121 (ب) في دستور 2002. وأكد المستشار أيضاً أن المحكمة الدستورية هي الأخرى أداة متوافرة للتعديل، إلاّ ان النواب لم يستوعبوا تلك الإمكانات المتوافرة في الدستور على رغم محاولاته المتواصلة لتثقيفهم قانونياً من دون جدوى.
لم تكن الجلسة سهلة، إذ توالت مداخلات الأخوات بالنصوص القانونية والشروح المعدة من قبل قانونيين بحرينيين متميزين من أبناء البلد في دراسات رصينة متأنية سابقة، وسقن بكفاءة عالية الحجج المبنية على الواقع من دون رتوش أو مصلحة غير مصلحة المواطنين. ولعل الدفاع القوي لبعض المشاركات جاء بناء على تجربة سابقة لهن في برنامج المجلس الأعلى للمرأة للتمكين السياسي مع هذا المستشار في قضايا الدستور، إذ استغربن الشروح التي تفوّه بها بشأن صلاحيات المجلس المنتخب على حساب الحقيقة وبحسب رأيهن فإن الشرح الذي كان يقدم إليهن كان بهدف اقناعهن أن وضع المملكة الدستوري فاق اعرق الممالك الدستورية تقدماً وتمثيلية للمواطن. وبرأينا أن تلك الأيام الجميلة لم تأت بعد، التي حتى نصل إليها ينبغي أن نتبين الحقيقة ونؤمن بحق أن الشعب مصدر السلطات جميعاً، ومن دون هذا المبدأ نية وعملاً من قبل السلطات الرسمية ومؤسساتها النسائية وغير النسائية، فلا تمكين سياسي حقيقي ولا ديمقراطية كاملة ولا ديمقراطية عريقة.
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1265 - الثلثاء 21 فبراير 2006م الموافق 22 محرم 1427هـ