المصادفة جمعت الزوج والزوجة. الزوج يعمل في الإطار الدبلوماسي وتدرب على سياسة الدفاع عن مصالح دولته. والزوجة صبية متحمسة تعمل في مجال النشاط الحقوقي للدفاع عن حقوق الإنسان.
المصادفة كانت في مركز للمحاضرات. بدأت العلاقة بالاختلاف على قرار الحرب على العراق. الدبلوماسي الذي تدرب على احتواء التعارضات حاول قدر الإمكان الاستماع إلى وجهة نظر تعارض قرار الحرب. فالشابة ضد الحرب لأسباب إنسانية وكذلك لأنها تعتبر أن قرار الهجوم على دولة من العالم الثالث اتخذ لدوافع اقتصادية تتصل بالنفط وشركات الطاقة.
الزوج استمع ولم يعلق وإنما ترك الحضور يدافع عنه بسبب ذاك التوتر الذي أحدثته احتجاجات الصبية على سياسة الدولة البريطانية.
انتهت المحاضرة بموعد ولقاء... وزواج. عقد القران بين طرفين لا يجتمعان في الوظيفة والتوجهات كان عقد الفيلم الذي تعرضه الآن سينما السيف.
العقدة بدأت بمصادفة وانتهت بمأساة. فالفيلم (البستاني النظامي) يقوم على سردية محزنة سواء في ذاك الالتباس بين الزوج والزوجة أو في نهاية تؤكد أن الإنسانية ضحية الطمع والجشع وقلة الاحترام للإنسان... ولا جدوى من اللهاث لتغيير التاريخ. فالزمن يعيد تشكيل نفسه وتدخل البشر في صناعته يؤدي إلى اضطرابات ومشاحنات ويكشف عن جوانب عنيفة في داخل الإنسان.
هذه هي الرسالة التي أرادها مخرج الفيلم البريطاني منذ حصول تلك المصادفة التي جمعت بين دبلوماسي صادق تأسست ثقافته السياسية على الدفاع عن مصالح دولته وحمايتها من التنافس مهما كلفه الأمر. وبين ناشطة حقوقية تضع الإنسان قبل المصالح وحقوق البشر فوق حقوق الشركات.
تزوج الدبلوماسي من الناشطة وانتقلت معه إلى كينيا للعمل هناك. هو يتحرك في إطار مهمته الدبلوماسية في السفارة البريطانية وهي تنشط في مجال التمريض والمعالجة وتأمين الأدوية للمحتاجين والفقراء والمساكين.
هل هو زواج مصلحة؟ وهل الدبلوماسي لعب دور الزوج المخدوع؟ وهل الناشطة استغلت موقع زوجها كغطاء لأفعال لا تتصل بمهمته؟ هذه الأسئلة حاول المخرج الإجابة عنها منذ اللقطات الأولى معتمداً نسق انكشاف الحقيقة خطوة خطوة. تبدأ الصور في الدقائق الأولى وكأنها تشير إلى وجود شبهة في العلاقة وتنتهي الدقائق الأخيرة على صور تكشف عن حب حقيقي واحترام كبير تكنه هذه الناشطة للدبلوماسي.
الزوج يكتشف الحقيقة بعد حادث سير قتلت فيه زوجته وتبين لاحقاً أنه حادث اغتيال مدبر. فالدبلوماسي عرف سر الناشطة بعد الفراق وبعد أن بات من المستحيل تصحيح العلاقة من طرف واحد.
المخرج أصاب النجاح حين أدخل بذكاء قصة العلاقة الملتبسة بين دبلوماسي وناشطة (الزوج والزوجة) بقصة أخرى تتصل بالاحتكارات والمافيات والسرقات وعالم التنافس بين الدول والتقاتل بين شركات تدعي الإنسانية لكنها في النهاية لا هدف لها سوى اكتناز المال.
هذا التداخل بين القصتين خفف من البعد السياسي للفيلم وأعطاه نكهة إنسانية تأسست على الصدق والاحترام. وبسبب هذا التداخل ارتقى الفيلم إلى قصة حب خفية قضى عليها ذاك العالم الخفي الذي تقوده شبكات المخابرات والمافيا... والقتل.
هناك إذاً عالم آخر يعمل بسرية تحت غطاء الدبلوماسية. وهذا العالم السري يقوم على شبكات تتداخل فيها مصالح الدول والشركات غير آبهة بمصير الشعوب.
الجانب الخفي لا يعرف الدبلوماسي أسراره. فهو رجل شهم تدرب على الأخلاق ويستخدم المبادئ في تعاطيه مع الآخر. إنه رجل مهني من الطراز الشريف. وكذلك زوجته الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
الزوج لا يعرف زوجته. كذلك لا يعرف ذاك العالم الآخر الذي يستفيد من الغطاء الدبلوماسي لتمرير تجارة الأدوية (الفاسدة) أو تحويل الفقراء في الأحياء الشعبية إلى حقول اختبار لأدوية لم يكتمل تصنيفها. فالشركات تستخدم الشعوب الإفريقية مختبرات لتصنيع الأدوية وهي تجرب منتوجاتها الجديدة في الفقراء والأبرياء قبل أن تطرحها في الأسواق.
الزوجة (الناشطة) تكتشف تلك الأسرار وبحكم موقع زوجها حاولت قدر الإمكان عدم توريطه وزجه في ذاك العالم السري. وبسبب تلك الزاوية الغامضة تبدأ شكوك الزوج. وحين يكتشف الحقيقة يدرك كم كانت ظنونه خاطئة.
اكتشف الزوج زوجته بعد مقتلها. وهذا الاكتشاف حصل حين أدرك معالم ذاك العالم الشرير الذي يتحرك تحت واجهات المنظمات الخيرية والسياسات الدبلوماسية. هذه هي نهاية المصادفة التي بدأت في شجار بين ناشطة ودبلوماسي في مركز للمحاضرات في لندن وانتهت بمأساة قتلت فيها الزوجة. وحين عرف الزوج سر زوجته وخفايا ذاك العالم... لحق بها قتلاً في مجال إفريقيا. هو وهي ذهبا وانتصرت مافيات الأدوية في مجاهل تتداخل فيها الدبلوماسية مع الإنسانية وتجارة الموت بمختبرات حولت الإنسان إلى حقول للتجارب.
العدد 1265 - الثلثاء 21 فبراير 2006م الموافق 22 محرم 1427هـ