في هذا المجتمع الصغير الطيب تتعالى أصوات النشاز الطائفية لتقتل الصور الجميلة بين خلق الله، ولتوغر الصدور وتنفث السموم!
وماذا بعد؟ لا شيء سوى نوايا سيئة يبطنها أصحابها من أجل أن يقتاتوا عليها ويتاجروا بها، فمن قال إن النائب جاسم السعيدي طائفي؟! ومن قال إنني وأنت وأنتم وأنتن ونحن لسنا طائفيين؟ الكل هنا في هذا البيت (بيت البحرين) أصبحوا طائفيين ولكن بصور شتى وممارسات مختلفة... حتى أولئك الذين يسعون لإصلاح ذات البين وينادون برص الصفوف وتجاوز المحن والإحن ويرفعون صوت العقل ليحافظوا على ما تبقى من علاقاتنا لكي لا تتلوث بفيروسات الطائفية فيدب المرض في أوصالنا؟
إذاً، نحن أمام مأزق كبير على الدولة أولاً والمواطنين ثانياً أن يصيغوا أمامه المواقف الحقيقية، فحين تتحول لافتة إلى ميدان قتال تحت شعار الطائفية وتمزيق المجتمع بسبب تصرف جمعية تنتسب الى مذهب الشيعة، فتتحرك الأقلام وتنطلق التصريحات وتشتعل المجالس وتثور ثائرة النقاش الحاد بين الناس في أعمالهم، فإن المصيبة تكبر وتكبر لتسنح الفرص من أجل إخراج عشرات الكتيبات والمنشورات والأشرطة السمعية والمرئية التي تضرب في الطائفة الأخرى، أو في كلتا الطائفتين، وهنا نتساءل: «ماذا لو اشتعل الأوار من طرف أبناء كل طائفة ليكون شغلهم الشاغل هو إثارة حالة من الصدام المقيت بين الناس نتيجة منشور مجهول صدر هنا، أو خطبة جمعة ألقيت هناك، أو شريط كاسيت صدر هنا؟»، هل سنكتفي بإلقاء اللوم على وزارة شئون البلديات والزراعة ووزارة العدل ووزارة الإعلام بل ونوجه الاتهام الى الدولة برمتها؟
أول العتب على من يقرأ حادثة فيفهمها طبقاً لهاجسه الطائفي ونفسيته التي تعشق تفتيت المجتمع، ثم العتب موصول الى الصحف التي تنشر تصريح للسعيدي، الذي لم يعد خافياً على أحد «من السنة والشيعة» ولعه بإثارة الطائفية حتى لو أنكر ذلك! والعتاب أشد على جمعيات ومشايخ الطائفتين الذين يعتقدون أن نشر اللافتات ورفع الشعارات والبيارق وإصدار الكتيبات والأشرطة السمعية وعقد الملتقيات وتنظيم المحاضرات دون تدقيق ودون تأمل في ما يمكن أن تؤدي اليه من نتائج مع افتراض وجود حسن النية.
وفي ظني أن الكثير من المواطنين «من الطائفتين الكريمتين» لا يودون مشاهدة استعراضات طائفية بغيضة، وليتفرغ النائب السعيدي وغيره من النواب، وكذلك العلماء والمشايخ ليقدموا للناس ما ينفعهم ويشرح صدورهم ويرفع معنوياتهم بدلاً من هذا اللغط الفاسد الذي لن نجني منه سوى المزيد من البلاء...
وكلمة أخيرة، من يعرف الحق يعرف أهله، ومن يسر في طريق الباطل عليه وزره، ودعونا نعيش في البحرين... البلد الكريم، لا في غابة تعج بالأفاعي السامة
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 1264 - الإثنين 20 فبراير 2006م الموافق 21 محرم 1427هـ