هل تذكرون مسرحية «على هامان يا فرعون»، حين يقوم حامل بشت المحامي بتحريض سيده على العائلة المنكوبة بموت الابن وجنون الأخت وإفلاس الشركة؟ فهكذا يتم تحالف القلم والقفطان!
إذا خرجنا من إطار المسرحية الكويتية إلى فضاء أرحب، سنعثر على تحليل فكري أعمق لمثل هذا التحالف لدى المفكر الشهيد علي شريعتي، في تناوله للتحالف التاريخي بين سلطة الحاكم وسلطة رجال الدين وسلطة المال. كلٌ يدعم حليفه من أجل استمرار «المصالح المشتركة».
من هذا المنظور تتجلى حقائق التحالف التاريخي بين الأطراف الثلاثة، مع فارقٍ جوهري في هذه المرحلة من تاريخنا الحديث بالذات، وهو أن كثيراً من علماء الدين في عدد من الدول العربية والإسلامية، لعبوا دوراً مشرفاً في نصرة شعوبهم والدفاع عن قضاياها، فيما احتل مكانهم «رجال الإعلام» في العصر الحديث لتكتمل أضلاع المثلث من جديد.
شريعتي اعتمد في تحليله على القصص القرآني عن مصر القديمة، مستخدماً رموز تلك الحقبة في توصيف التحالف الثلاثي (فرعون وهامان وقارون). ونحن هنا ننقل ما كتبه المفكر ليعرف من لا يجيد قراءة النصوص الأدبية، فيخرجها من سياقاتها التاريخية إلى محرقة الفتنة الطائفية واستفزاز الهواجس الأمنية لدى السلطات، بحجة الوحدة الوطنية واتقاء الفتنة... «ألا في الفتنة سقطوا» كما في القرآن الحكيم.
ولأن حبل الكذب والافتراء قصير، فقد اتضح ان العبارات المنشورة عمرها عامان، ولكن «الربع» في اندفاعتهم الجامحة ربطوها بعبقرية نادرة، بقضية المفاعل النووي الايراني دفعةً واحدة! ولو استمر هذا الذكاء الخارق بالتدفّق علينا لربطوها بدول «محور الشر»، وبوصول «حماس» إلى السلطة، وفوز ايفو موراليس بالرئاسة في بوليفيا!
طبعاً الصدفة في تحالف القلم والقفطان يستبعدها العقلاء، فالأرجح أن يكون هناك «ترتيب مسبق» لشن هجمات مبرمجة، وإثارات مخطّطة، واقتناص للفرص «الذهبية» التي تتيحها الساحة المتخبطة بين فترة وأخرى... فهل في ذلك دلالة على مهارة المتصيّدين؟
قارئو التاريخ الإنساني عموماً، بما فيه الاسلامي، ليس جديداً عليهم قصص و«حكايات» هذا التحالف، ويعرفون جيداً تحالف الكنائس والقصور في أوروبا القرون الوسطى، كما يعرفون الفتاوى التي كان يصدرها من أسماهم علي الوردي «علماء البلاط»، إرضاءً لزوجة هارون الرشيد مثلاً، أو إباحة دماء علماء ومفكّري وأحرار الأمة منذ القدم. فاللعبة ليست جديدةً، فهناك دائماً من يقبل أن يكون مطيةً لغيره، وهناك دائماً من هو مستعدٌ لتلقي الأوامر من «الأجهزة»، وتنفيذها دون خجل أو تأنيب ضمير. وهناك دائماً من هو مستعدٌ للتحريض واستثارة الهواجس الأمنية والفتن الطائفية، حتى من دون أن يتلقى أمراً من جهاز، يكفي أن يناله بعض رشّات الماء المقدّس.
هل من جديدٍ إذن في هذه الجعب الفارغة؟ أم انها عادتهم المذمومة في صب الزيت على النار في تلذذٍ سادي، حتى لو احترقت الأوطان؟ ومتى فكّر «حملة البشوت» في مصلحة الوطن
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1264 - الإثنين 20 فبراير 2006م الموافق 21 محرم 1427هـ