العدد 1264 - الإثنين 20 فبراير 2006م الموافق 21 محرم 1427هـ

كل الدروب... إلى النار

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

باستثناء روسيا والصين توافقت مختلف القوى الدولية على حشر حركة «حماس» وإجبارها على اعتماد خط المواجهة. فالكل - ما عدا موسكو وبكين - أجمع على ألا تفاوض ولا حوار ولا نقاش ولا سلام ولا كلام مع «حماس» إذا لم تفعل هذا وذاك. وإذا فعلت «هذا وذاك» فالأمر لا يعني أن التسوية العادلة والقانونية ستمشي على ما يرام ووفق ما تصورته القرارات الدولية. أي حتى لو استجابت «حماس» للشروط وقبلت بالإملاءات وخنعت وقبّلت الأيادي والأرجل فإن هذا ليس بالضرورة ضمانة دولية بالإفراج عن الشعب الفلسطيني وإطلاق سراحه من وراء جدار السجن العنصري الذي بناه ارييل شارون.

حتى الاستسلام وقبول الشروط والخنوع للإهانات لا تعني - كما ذكرت تصريحات المراجع الدولية والإسرائيلية - عملياً أن «حماس» باتت مقبولة. فالأمر يحتاج أيضاً إلى دراسة ومراجعة كما أشار إلى هذا الاحتمال رئيس الحكومة بالوكالة إيهود أولمرت.

الأمر سيان والنتيجة واحدة وكل الدروب تؤدي إلى النار... والانتحار. وحين يكون هذا هو الخيار الوحيد المتوافر لحركة «حماس» أو غير «حماس» فماذا عساها أن تفعل سوى اعتماد سياسة المواجهة مهما كلفها الأمر؟

ياسر عرفات هو نموذج تستطيع «حماس» أن تستفيد من تجربته المرة مع «إسرائيل» وتأخذ منه الدروس حتى تتحاشى تكرار المسار الذي أدخل فيه ولم يخرج منه حامل جائزة نوبل للسلام إلا بعد رحيله عن الدنيا.

عرفات اعترف بالكيان الصهيوني ووافق على كل الشروط ووقع على اتفاقات جائرة وعانق اسحق رابين وشمعون بيريز وصافح كل من وافق على مصافحته ولم يعترض على تلك البنود التي انتقصت من «سيادة» السلطة وتخلى عن الكثير من الحقوق التي نصت عليها الشرعية الدولية، وفي النهاية انتهى إلى النهاية التي انتهى إليها.

نموذج عرفات يمكن أن تحتذي به «حماس» لقراءة مسار «التسوية» التي تدّعي «إسرائيل» وبدعم من الولايات المتحدة أنها تريدها للفلسطينيين والمنطقة. وهذا النموذج فيه الكثير من العبر تستطيع «حماس» دراستها جيداً قبل اتخاذ أية خطوة في هذا الاتجاه أو ذاك.

«أو ذاك» تبدو من المستحيلات، ولذلك لم يتبقَ أمام «حماس» سوى اتجاه واحد... وغيره غير موجود. وإذا وجد فإن مصيره سيكون الذهاب في المسار الذي دفع إليه عرفات. هذا هو العرض الدولي الذي تبارت الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي على تقديمه لحركة «حماس» منذ الساعة الأولى لإعلان فوزها في الانتخابات الفلسطينية. والعرض هو الحصار حتى الموت. وما حصل لعرفات «المعتدل» سيتكرر مع حماس «المتطرفة» سواء وافقت على «أوسلو» أو لم توافق. وسواء صافحت أولمرت أو لم تصافحه. وسواء اعترفت بالكيان الصهيوني أو لم تعترف. وسواء قبلت بالتسوية المشروطة أو لم توافق. وسواء دخلت في نفق «خريطة الطريق» أو لم تدخل. فكل الدروب تؤدي إلى الهاوية ولا مجال للاختيار بين «الجنة والنار».

هذه هي خلاصة التصريحات والبيانات والتسريبات التي أطلقت بمناسبة فوز «حماس» في انتخابات جرت وفق الأصول الديمقراطية. وباستثناء روسيا والصين هناك ما يشبه الإجماع الدولي على دعم «الشر» وتأييده وتغليفه بالسموم.

الولايات المتحدة هددت الشعب الفلسطيني بالعقاب الجماعي. الاتحاد الأوروبي تسابق على خنق إرادة الناس لأنهم تجرأوا على تفويض «حماس». و«إسرائيل» تظاهرت كالعادة بأنها الطرف المسكين الذي يريد «التسوية» ولكن الشعب الفلسطيني خذلها. والنتيجة المشتركة لمثل هذا الجمع السلبي لمواقف أميركا وأوروبا و«إسرائيل» دفع «حماس» نحو خيار واحد: المواجهة.

ماذا تستطيع أن تفعله قوى «تحالف الشر» ضد الشعب الفلسطيني أكثر مما فعلته وتفعله الآن؟ فهل مثلاً يعيش الشعب الفلسطيني الآن في «الجنة» وتهدده «إسرائيل» بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بطرده إلى «الجحيم»؟ ماذا يمكن أن ترتكبه قوى «تحالف الشر» بحق الشعب الفلسطيني أكثر مما ارتكبته طوال السنوات الماضية؟

واشنطن تقول إنها ستقطع بالتكافل والتضامن مع الاتحاد الأوروبي المساعدات الدولية التي يصل مجموعها إلى مليار و900 مليون دولار ينفق معظمها على أجور الموظفين والشرطة وأجهزة المخابرات. و«إسرائيل» تقول إنها ستحجز الأموال الفلسطينية التي تتجمع شهرياً من الضرائب والجمارك وتقدر بـ 54 مليون دولار. وأولمرت هدد بأن حكومته ستتخذ إجراءات قاسية تبدأ بمنع عمال الأراضي المحتلة من دخول مناطق 1948 وتنتهي باحتمال قطع الكهرباء عن غزة ومدن الضفة وقراها. مضافاً إلى ذلك ممنوع على «حماس» أن تبحث عن مصادر بديلة، وكل من يعوض عليها الخسائر سيتعرض بدوره للقصاص.

كل ذلك جرى ويجري رداً على ماذا؟ إنه عقاب جماعي (فاشي/ نازي) ضد شعب قرر التصويت بغالبية نسبية لطرف سياسي فلسطيني. إنه رد على «الديمقراطية» ورسالة سلبية لكل مجموعة تريد استخدام «الديمقراطية» للوصول إلى أهدافها. فالرسالة واضحة. الديمقراطية مرفوضة في المنطقة العربية/ الإسلامية، والكلام عنها مجرد خداع لتقطيع الوقت. ولا سلام ولا كلام قبل الإذعان للشروط. وإذا وافقت «حماس» على الاستسلام فهذا لا يعني أن التسوية ستسير وفق النظام الدولي.

كل الدروب إذاً تتجه نحو عنوان واحد. وحين تصبح «النار» هي السور الذي يطوّق الناس يكون الكلام الأميركي - الأوروبي ليس رسالة للقراءة بل دعوة للانتحار السياسي. فهذا هو العنوان الذي توافقت عليه قوى «تحالف الشر» باستثناء موسكو وبكين. فالكل وافق على وضع «حماس» أمام خيار وحيد: المواجهة ولا خيار آخر سوى المواجهة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1264 - الإثنين 20 فبراير 2006م الموافق 21 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً