العدد 1263 - الأحد 19 فبراير 2006م الموافق 20 محرم 1427هـ

حماس... وخيار المواجهة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التصريحات التي أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيلي بالوكالة ايهود أولمرت ضد حركة «حماس» وضعت السلطة الفلسطينية في موقع يفرض على كل أطيافها التوحد لمواجهة تصعيد سياسي/ عسكري خطير. فالتصريحات اعتبرت أن السلطة كلها «إرهابية» بعد أن نجحت «حماس» في الانتخابات التشريعية واختارت مرشحا من صفوفها لرئاسة الحكومة.

هذه التصريحات التصعيدية هي حلقة تستكمل ما بدأته سلسلة الضغوط الدولية بعد الانتخابات الفلسطينية. ولذلك تأتي في سياق التهديد العام الذي تعرضت له «حماس» منذ إعلان النتيجة النهائية للاقتراع. فمنذ الساعة الأولى بدأ إطلاق النار السياسي على الانتخابات. وجاءت سياسة إطلاق النار لتعلن عن بدء نهاية التجربة الفلسطينية كما نصت عليها الاتفاقات الثنائية المعلنة من النهاية وصولاً إلى «اتفاق أوسلو».

إطلاق النار السياسي على «حماس» كان القصد منه إعلان نهاية مطاف «التسوية» بدءاً من تلك الخدعة التي أطلق عليها «اتفاق أوسلو». والكلام الذي صدر عن الإدارة الأميركية، وما تبعه من تصريحات متتالية صدرت عن مسئولين في الاتحاد الأوروبي، حاول تزوير الوقائع وتحميل الطرف الفلسطيني مسئولية فشل «التسوية السياسية» بينما المسار العام يؤكد أن «إسرائيل» هي الطرف الذي يتحمل مسئولية افشال كل التعهدات والالتزامات والاتفاقات التي وقعت عليها.

ارييل شارون مثلاً أعلن منذ أكثر من 6 سنوات رفضه «اتفاق أوسلو» وقاد حملته الانتخابية ضد حزب العمل تحت شعار اسقاط الاتفاق. وحين نجح في الانتخابات بعد تلك الزيارة المفتعلة للمسجد الأقصى، أكد مجدداً أن «اتفاق أوسلو» انتهى وانه جاء إلى السلطة لينهي كل النتائج الميدانية التي أفرزها خلال السنوات التي أعقبت توقيع الاتفاق. وحين صدر مشروع التسوية العربية عن قمة بيروت رفض شارون التعامل مع الموضوع، معتبراً أنه الطرف الأقوى في المعادلة وان «إسرائيل» لا يمكن أن تتنازل عن أراض أخذتها بالقوة من خلال التفاوض أو بواسطة مجلس الأمن.

كذلك لم يتردد شارون في توضيح رسالة الرد على مشروع قمة بيروت للتسوية حين قرر خوض تجربة ميدانية عنوانها إعادة احتلال قطاع غزة ومحاصرة مدن الضفة الغربية وقراها. ولم يتوقف الرد عند حدود التهديد السياسي والعمليات الميدانية، بل اتجه إلى رام الله وحاصر رئيس السلطة ياسر عرفات وعزله عن العالم إلى حين رحيله.

ادعاء أولمرت أن «حماس» تتحمل مسئولية فشل التسوية هي كذبة تضاف إلى مئات الأكاذيب التي تأسست عليها الدولة العبرية. فالكذبة هي جزء من سياسة الخداع التي أورثت المنطقة منذ أكثر من 60 عاماً عدم الاستقرار والفوضى والانقسامات.

شارون لم يكتف بهذا القدر من الانتهاكات التي خطط لها قبل وصوله للسلطة وخلال وجوده على رأس حكومتها. فهو لجأ إلى توسيع المستوطنات وبناء الجديد منها كذلك قام بتشييد جدار عنصري يطوق المدن ويعزلها في «غيتويات» فلسطينية بتمويل أميركي وغطاء دولي. مع ذلك لم تتحرك الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي - وطبعاً الولايات المتحدة - على وقف بناء جدار يقطع أوصال الضفة ويسجن مئات آلاف السكان وراء أسوار من الاسمنت.

كذلك حين اجتمعت «اللجنة الرباعية» وتوافقت مع الأطراف المعنية الدولية والإقليمية على إصدار ما اسمته بـ «خريطة الطريق» رفض شارون توقيعها ووضع ملاحظات تطيح بها تضمنتها رسالة بعث بها إلى الرئيس الأميركي جورج بوش.

الخلاصة إذاً أن ما قاله أولمرت هو كذبة جديدة أطلقتها الحكومة الإسرائيلية لتغطية مجرى الأمور وتزوير الوقائع وتحميل «حماس» مسئولية فشل التسوية.

عن أية تسوية يتحدث أولمرت؟ وهل هناك تسوية فعلاً ليتم الحديث عنها وتعيين الطرف المسئول عن تعطيلها؟

التسوية معطلة منذ فشل تلك المفاوضات الثلاثية التي جرت في واشنطن في عهد الرئيس بيل كلينتون. فمنذ تلك الفترة انهارت كل «الآمال» التي تعلقت على أوهام «اتفاق أوسلو».

التسوية إذاً غير موجودة حتى تنطلق تصريحات تعلن فشلها مستفيدة من نجاح «حماس» في الانتخابات الفلسطينية. «حماس» فازت بغالبية مقاعد البرلمان منذ أقل من ثلاثة أسابيع بينما الكلام عن التسوية وفشلها أعلنه شارون قبل أكثر من 6 سنوات. المسألة واحدة في نهاية المطاف وهي متشابهة سواء نجحت «فتح» أو سقطت «حماس». وحين تتساوى السلبيات مع الايجابيات وتصبح كل الخيارات ذاهبة في اتجاه واحد تتساقط كل الاحتمالات لتستقر على خيار صعب، ولكن لابد من تجربته بعد أن فشلت الخيارات الأخرى... وهذا الخيار هو اعتماد سياسة المواجهة.

قرار المواجهة والاطاحة بالتسوية وتفكيك النتائج التي أسفر عنها «اتفاق أوسلو» هي تكتيكات اتبعها شارون قبل وصوله إلى الحكم وبعد وصوله... وهذا يعني أن «حماس» مجبرة على اتباع الأسلوب الوحيد الذي ترك لها وهو الدفاع عن القدس وحقوق الشعب الفلسطيني وتقويض الجدار العنصري. وهذا الخيار مشروع سياسياً، إذ نصت عليه كل القرارات الدولية إضافة إلى خطة التسوية العربية التي انطلقت من قمة بيروت.

إطلاق النار السياسي على «حماس» بذريعة تهديدها التسوية يعني ميدانياً البدء في تحضير الأجواء الدولية والإقليمية للمباشرة في جولة جديدة من إطلاق النار العسكري. وأولمرت حين اعتبر أن السلطة الفلسطينية كلها «إرهابية» فهذا يعني أن الحرب أصبحت مسألة وقت

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1263 - الأحد 19 فبراير 2006م الموافق 20 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً