أعلم أن «لو» تفتح عمل الشيطان، ولكن استعين بالله تعالى وأقول: لو شارك المقاطعون في الانتخابات النيابية 2002، لما كان حال المجلس التشريعي كحاله الآن، ولو افترضنا وجود المعيقات والصعوبات نفسها، فحال المجلس اليوم كحال المثل الشعبي «نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً»، لماذا؟
القوى السياسية المقاطعة «التحالف الرباعي» قاطع الحياة النيابية لا لأنهم ليسوا بالمستوى المطلوب، ولا لأنهم أرادو القطيعة مع الحكم، ولا تهرباً من واجبهم الوطني، ولا الخوف من الفشل، وانما قاطعوا الانتخابات لعدم وجود توافق على المسألة الدستورية، وأعلنوا موقفهم حينها بشكل واضح وصريح. ورغبتهم كانت في إحداث تعديلات دستورية تحفظ حقوق المواطن وتحميه، لا لإثارة زوبعات أو تقسيم الشارع بين مشارك ومقاطع. وقناعتهم أنهم لا يمكنهم أن يحدثوا أي تغيير من داخل البرلمان طالما بقي الأمر على ما هو عليه، بحسب النصوص الدستورية في دستور 2002، وبالتالي أعلنوا موقفهم منذ البداية بالمقاطعة، على أن يحركوا المسألة من خارج البرلمان. ويبدو ذلك واضحاً من خلال المؤتمر الدستوري الأول وتفعيل ما تمخض عنه من قرارات، وإصرار على عقد مؤتمرهم الدستوري الثاني في موعده، واستعداداتهم للمؤتمر الدستوري الثالث في مارس/ آذار المقبل، من خلال جهود الأمانة الدستورية، وحرصهم على أهمية إيجاد توافق دستوري، كذلك من خلال العريضة الدستورية (عريضة الجمعيات الأربع) والتي وصل عددها إلى ما يقارب الـ «70000»، والمسيرات التي نظمتها الأمانة العامة في أكثر من منطقة في البحرين، وأضخمها ما سميت بمسيرة «سترة الدستورية».
إلى هنا الأمور واضحة للجميع، ولكن للأسف الشديد النواب الذين رشحوا أنفسهم لانتخابات 2002 سواء من فاز منهم أو خسر، غالبيتهم تصدرت مسألة التعديلات الدستورية برامجهم الانتخابية كأولويات، إن لم تكن في قمة أولوياتهم. ولكن عندما ظفر من ظفر وتمكن من دخول المجلس سرعان ما نسى التزاماته تجاه قواعده الشعبية، وتملص من واجباته الوطنية، وبقى الواجب الوطني الملح والذي لا فرار منه هو إرضاء السلطة والحكم بقدر المستطاع، حتى يضمن من خلال نظرية الولاءات البقاء والاستمرارية. فهو إن خسر منصبه غداً كنائب لن يخسر منصبه لأنه حتماً سيتم تعيينه في «الشورى» مثلاً، جزاءً ووفاء له، لأنه لم يزعل أو يحرج السلطة في يوم من الأيام لا سمح الله. وتبقى مسألة إرضاء القواعد الشعبية في ذيل قائمة «التراضي» إبراء للذمة، ولعل العذر الوحيد الذي يملكونه هو أن الحكومة لم تتجاوب مع مطالبهم.
لا يختلف عاقلان إن الأمور المهمة تبقى ملحة ومن الصعوبة بمكان تأجيلها، لأن التأجيل لا يكون في صالح القضية، وبالتالي لو أن المقاطعين شاركوا في الانتخابات السابقة لكانوا من دون شك شنوا حرباً شعواء شرسة على المسألة الدستورية، ولم يخافوا حينها من زعل «زيد ولا عبيد». فليسوا ممن يرغبون في إرضاء أشخاص على حساب المصالح العليا، و لن يكون ذلك إلاّ من خلال إرضاء الذمة والضمير. فقضية التمثيل قضية مهمة جداً، لا نقلل من شأنها من لم يقدر عليها يتركها حتى لا يقع في شراكها، لو شارك المقاطعون - وسأظل أكررها حتى ولو لم يتمكنوا من تحقيق مكاسب تذكر بسبب تعنت الحكومة وقبضتها الحديد سيذهلون قواعدهم الشعبية من خلال المقترحات والمشروعات المهمة. أقول المهمة والتي لا تخدم فئة محدودة وإنما تخدم المواطن البحريني عموماً، بغض النظر عن إنتماءاته الفكرية أو المذهبية، ومن خلال مسكهم لكل الملفات الساخنة، وعلى رأسها الملف الدستوري والتجنيس والبطالة والإسكان وكشف مظاهر الفساد بأنواعه، إلى جانب التدقيق على الموازنة العامة للحكومة ومراقبة أداء الوزراء، على أقل تقدير قادرين على تحقيق فوز إعلامي ساحق يحرج حينها الحكومة ويجعلها في زاوية ضيقة. لو شارك المقاطعون لما ضاعت صفحات وصفحات في الصحف اليومية لا تستحق من القارئ أن يلقي عليها نظرة، لأنها تعد مضيعة للوقت ومضيعة أيضاً للأحلام، لذلك لو شارك المقاطعون لوجدت في الصحف اليومية مادة دسمة تستحق أن تقرأ. وبالتالي الضغط باتجاه المصالح يقلل من ردات فعل القواعد الشعبية، فلن يكون هناك سخط شعبي، كما هو حاصل اليوم القواعد الشعبية على كل حال تلعب دور المراقب وبالتالي لا تتكلم من فراغ. الشارع الآن في تململ، الشارع المقاطع أو المشارك، الشيعي أو السني، وعندما يكون هناك أداء حرفي وراق، سيتضح للكل موقف الحكومة ووقوفها وراء تحقيق إنجازات حقيقية تذكر للمجلس، ولكن ما هو حاصل الآن واضح جداً، فهناك تحالف صريح بين النواب والحكومة التي تملك بيدها كل شيء، وأكبر دليل على ذلك قانون الجمعيات السياسية التي تم اعتماده لتضييق الخناق على القوى السياسية، والتجنيس السياسي الخانق، وبالتالي لا الرقابة ولا التشريع في يد النواب وإنما في يد الحكومة، فهي سيدة الموقف التي تقرر كل حركات وسكنات النواب، ويؤكد ذلك انهزامهم وانسحابهم من الملفات العالقة وتأخير المهم وتعجيل الأقل أهمية.
فالمسألة إذن تتعلق بإنجاز وتحقيق مكاسب ومصالح للناس، فانتفاضة التسعينات ما قامت إلاّ على أساس المطالبة بعودة الحياة النيابية، وشعارات تلك المرحلة كانت واضحة للغاية، لأن المجلس التشريعي هو القادر على استرداد الحقوق وإحقاقها، ولكن للأسف الشديد المطالبون بعودة الحياة النيابية الذين قدموا تضحيات جساماً، بينما ظهر متمصلحون من الموضوع برمته ليقطفوا الثمار، وليتنعموا بخيرات المشروع الإصلاحي. وهؤلاء فئة لا تعرف سوى الكلام في المطلق، والناس لا تريد كلاماً، لأنه لا يسمن ولا يغني عن جوع.
الكتل التي شاركت في الانتخابات نراها الآن تضج وتشكو قلة تعاون الحكومة معها من خلال المشروعات المقدمة وبالتالي صعوبة العمل معها، ونحن من حقنا أن نسأل: هل فعلا أن الحكومة لا تتعاون مع النواب؟ أم أن النواب أنفسهم لا يستطيعون استثمار فرص التعاون أم أنهم لم يكونوا على وعي تام، وبالتالي الحكومة فرضت وصايتها عليهم وكان ما كان؟ سؤال يفرض نفسه وعلينا أن نتعلم قبل أن نتهم أي طرف بالتقصير، ومهما يكن هذا الطرف علينا أولاً أن نقيّم أنفسنا وخطواتنا الإجرائية بعدها يجرى تقييم الطرف الآخر، فبعد أن امتلأت الجيوب وتكرشت البطون فهل نحن بانتظار تعاون؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1263 - الأحد 19 فبراير 2006م الموافق 20 محرم 1427هـ