العدد 1262 - السبت 18 فبراير 2006م الموافق 19 محرم 1427هـ

الديمقراطية ليست بضاعة للترويج

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كررت وزيرة الخارجية الأميركية زعمها أن واشنطن مستمرة في تشجيع الديمقراطية في المنطقة العربية/ الإسلامية على رغم الصدمات التي تلقتها إدارة «البيت الأبيض» بوصول إسلاميين إلى البرلمانات.

ذريعة رايس واضحة فهي مع الديمقراطية حتى لو أنتجت حكومات تخالف السياسة الأميركية، وهذا برأيها أفضل من قمع الديمقراطية وتفريخ «إرهابيين» يقارعون الولايات المتحدة بالسلاح. فالنتيجة مرة في الحالين، ولكن مرارة فوز الإسلاميين أفضل من مرارة ضربات الإرهابيين.

هذه الذريعة التي نطقت بها رايس جاءت رداً على تلك التصريحات والمقالات والدراسات التي صدرت عن مؤسسات بحثية تشرف على إدارتها وتمويلها هيئات تابعة للحزبين الجمهوري والديمقراطي. فهذه المؤسسات وجهت سلسلة انتقادات لإدارة جورج بوش تعاتبه على مبالغته في المراهنة على النتائج الإيجابية التي ستسفر عنها سياسة ترويج الديمقراطية. وبرأي هذه الهيئات أن النتائج السلبية كافية لتشجيع الإدارة على إعادة النظر في فكرة ترويج الديمقراطية.

هذا الاختلاف في قراءة المسألة لا يعني أن هناك خلافاً في التعامل مع النتائج السياسية التي تسفر عنها الانتخابات. فرايس في ردها على المعارضين والمنتقدين أكدت رفضها التعامل مع «حماس» وحذرت الدول العربية وإيران وتركيا وروسيا من خطورة مساعدتها أو مد الجسور معها.

ما الفارق إذاً بين طرف يطالب بإعادة النظر في الفكرة وآخر يصر على رفض النتائج التي تسفر عنها؟ ليس هناك من فارق. بل إن الثاني أسوأ من الأول لأنه من جهة يعد الناس باستكمال مسار ترويج الديمقراطية ويهددهم من جهة أخرى بالحصار والمقاطعة والتجويع والعزل والإهانة في حال جاء الاختيار غير متطابق مع الاملاءات والشروط. الديمقراطية إذاً بضاعة للترويج عند الفريقين وحين تكون كذلك ليس غريباً أن تكون النتيجة واحدة. هناك فريق لا يراهن كثيراً على إمكان نجاح أتباع الولايات المتحدة في أي معركة انتخابية في المنطقة العربية/ الإسلامية ويطالب إدارته بالكف عن الكذب ونشر الأوهام. والفريق الآخر يصر على الاستمرار في سياسة الخداع (ترويج الديمقراطية) مهدداً الناس بالمزيد من الكوارث في حال قرروا مناكفة المشروع الأميركي في المنطقة.

هذا التعارض الشكلي بين التوجهين يؤكد على لقاء عميق في الجوهر. فرايس تريد الديمقراطية ضمن مواصفات وشروط، والفريق المضاد لا يريدها لأن النتائج مهما كانت إيجابية لن تكون جيدة للسياسة الأميركية. وفي الحالين الأمر يعني أن المجموع العام ومحصلة السجال النظري تصل إلى نقطة مشتركة هي: أن الولايات المتحدة في طرفيها لا تريد الديمقراطية الحقيقية التي يختار بها الناس من يشبههم، أو من هو أقرب لهم. الناس تختار عادة من ترى فيه الجانب المناسب الذي تشعر أنه يمثلها، وهذا يعتبر من أبسط قواعد اللعبة الديمقراطية التي هي في التجربة الميدانية مسألة اجتماعية وليست حسابات نظرية. وهذه المسألة الاجتماعية هي كما يبدو من ظاهر الأمور صدمت الإدارة الأميركية وأثارت دهشة المراقبين في «البيت الأبيض».

والسؤال: ماذا كانت تتوقع واشنطن من أهل الصعيد في مصر مثلاً أن يقترعوا؟ هل كانت تتوقع مثلاً أن يختار الصعايدة مرشحاً «بروتستنتي» المذهب، أو «انغلوسكسوني» العرق والسلالة، أو «كاو بوي» على مثال الرئيس الأميركي في تكساس؟ فإذا كانت هذه هي التوقعات المرجوة من نشر أو ترويج الديمقراطية في المنطقة العربية/ الإسلامية فإن على رايس وإدارتها مراجعة كل تلك الحسابات النظرية التي تتشاطر مؤسسات البحث في إصدار نتائجها في ملاحق وملفات.

الناس عادة تختار من تطمئن لهم. وهذه أبسط قواعد الاجتماع البشري وخصوصاً في مسألة الديمقراطية والانتخابات والاختيار والاقتراع، إذ كما يكون الاجتماع البشري تتجه الأصوات. فالبرلمان في النهاية يعكس - إلى حد معين ومن دون تدخل وتزوير - التنوع أو الحال الاجتماعية التي يكون عليها الناس في هذه الدائرة أو تلك المنطقة.

وبما أن حال العالم العربي/ الإسلامي هو كما نراه فعلى الإدارة الأميركية ألا تندهش من سقوط رموزها «الليبرالية» المستوردة من جامعة جورج واشنطن. فالناس لا تعرف هذا «الليبرالي» ولا تهتم كثيراً بلسانه الاعوج (نصف إنجليزي ونصف عربي) ولا تكترث بتلك الدولارات التي ينفقها لشراء الأصوات والضمائر. الناس تختار من تعرفهم ومن هم الأقرب إليها في حياتهم ومعاشهم وسلوكهم... ومماتهم. وهذا الاختيار هو أبسط قواعد الاجتماع الإنساني و«ألف باء» الديمقراطية.

غير ذلك يصبح مجرد ترويج. والترويج ينجح في تسويق البضاعة ولا ينجح في تسويق البشر. أليست هذه هي الديمقراطية... يا رايس؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1262 - السبت 18 فبراير 2006م الموافق 19 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً