في العام 1963 اعتنق الألماني أكسيل كولر - المولود في - العام 1938 - الدين الإسلامي. منذ ذلك الوقت يحمل الاسم الأول: أيوب. يحتاج كولر - بعد انتخابه قبل أيام رئيساً للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، خلفا لرئيس المجلس السابق نديم عطا إلياس - إلى صبر أيوب حيال التحديات التي تواجهها الجالية المسلمة في ألمانيا وأوروبا والتي سجلت انعطافة كبيرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيول العام 2001 على الولايات المتحدة ثم حديثاً بعد استفزاز الصحف الدنماركية وغيرها في أوروبا من بينها الألمانية التي صبت المزيد من الزيت على النار حين أعادت نشر رسوم كاريكاتيرية تسخر من رسول الله محمد (ص).
يأتي انتخاب أيوب كولر رئيسا للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا في مرحلة حساسة وقد يكون انتخاب ألماني الأصل رئيسا لهذا المجلس خطوة إيجابية لأنه ابن المجتمع الألماني ويعرف الطباع الألمانية ويستطيع إيصال كلامه للرأي العام المحلي بصورة أفضل من الرئيس السابق. وقد أدان كولر الإساءة التي لحقت بالمسلمين واستفزت مشاعرهم لكنه في الوقت نفسه شجب أعمال العنف التي حصلت في عدد من الدول العربية والإسلامية ووصف هذه الأعمال بأنها لا تمت لمبادئ الإسلام بصلة. لا يتوقع المرء من أيوب أكسيل غير هذا الكلام المتزن في وقت تتعرض فيه الجالية المسلمة في ألمانيا إلى التشكيك. بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر فرضت إجراءات مشددة على المسلمين وتم حظر عدد من المنظمات التي وصفت بأنها متطرفة كما تم إبعاد بعض أئمة المساجد الذين اتهموا بالدعوة إلى العنف.
وقامت صحيفتا «دي فيلت» و«برلينر تسايتونج» بإعادة نشر الرسوم التي تسيء إلى الرسول الكريم في خطوة استفزازية جديدة. كما قام موقع «هاجاليل» اليهودي بنشر الرسوم الجائرة غير أن الموقع توقف عن العمل بعد تعرضه لهجوم فيروسي على حد قول المسئولين عن الموقع. يذكر أن صحيفتي «دي فيلت» و«برلينر تسايتونج» تصدران عن دار نشر أكسيل شبرنجر الألمانية المعروفة بنهجها المعادي للعرب والإسلام. ودافع رئيس تحرير صحيفة «دي فيلت» عن إعادة نشر الرسوم بالإشارة إلى ما وصفه بحرية الصحافة والتعبير عن الرأي واعتبر اعتذار رئيس تحرير الصحيفة الدنماركية التي نشرت الرسوم، خطأ.
السؤال الذي يتبادر في أذهان كثير من المسلمين في ألمانيا: لماذا الموقف الرسمي لحكومة المستشارة أنجيلا ميركل أقل مستوى بكثير من موقف الولايات المتحدة وبريطانيا؟ خلال زيارتها لـ «إسرائيل» حديثاً كشفت ميركل عن تحيزها للدولة العبرية حين هددت بوقف المساعدات المالية التي تقدمها ألمانيا والاتحاد الأوروبي للمناطق الفلسطينية إذا لم تعترف (حماس) بما وصفته ميركل، حق «إسرائيل» في البقاء. وفي سياق النزاع النووي مع إيران كانت ميركل أول مسئولة أوروبية تتهم طهران بتجاوز الخط الأحمر. كما موقفها فيما يتعلق بالأزمة الجديدة بسبب الإساءة إلى الرسول محمد(ص) ليس مرضياً من وجهة نظر المسلمين. إذ تتمسك ميركل بأن نشر الرسوم يتعلق بحرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي. وقالت في تصريح متلفز إنها تؤيد حواراً بين الحضارات لتضييق الهوة التي اتسعت بفعل أزمة الرسوم على أن يشارك الغرب في الحوار وثقته كبيرة بنفسه للدفاع عن مبادئه، مؤكدة أن حرية الصحافة من أبرز أسس المجتمع الديمقراطي في ألمانيا. ثم كشف النقاب عن اتصال هاتفي تم بين ميركل ورئيس الوزراء الدنماركي راسموسين عبرت خلاله عن تضامنها مع الحكومة الدنماركية. كما شجبت المستشارة الألمانية أعمال العنف التي وقعت في عدد من الدول العربية والإسلامية وقالت إنها تتفهم مشاعر غضب المسلمين غير أن هذا لا يبرر القيام بأعمال عنف.
صراع الحضارات كان واضحا في برنامج تلفزيوني يعرض مساء الأحد وتديره المذيعة سابيني كريستيانزن ويشاهده ملايين الألمان. من ضيوف الحلقة كان ريتشادر بيرل أحد مهندسي غزو العراق الذي جدد هجومه على إيران واتهمها بالسعي لامتلاك القنبلة الإسلامية. كذلك فعل وكيل وزارة الدفاع الألمانية فريدبيرت بفلوغر الذي حمل على الإسلام وحاول في الوقت نفسه استدرار عطف المسلمين في ألمانيا لأنه عازم على خوض انتخابات العمدة في برلين. كما شارك في البرنامج الكاتب الألماني اليهودي رودولفو جوردانو الذي قال: باسم «إسرائيل»، لن نسمح لإيران الحصول على القنبلة. هكذا عبر البرنامج عن عمق الهوة القائمة بين الغرب والعالم الإسلامي. وكان البرنامج فرصة للصقور الثلاثة لتصعيد الأزمة. بعض السياسيين الألمان ذهبوا إلى حد أبعد. وزير الداخلية في ولاية بافاريا جونتر بيكشتاين رئيس نقابات الشرطة وفرايبيرغ يحذران منذ أيام من احتمال استغلال إسلاميين متطرفين الأوضاع الحالية للقيام بأعمال عنف داخل ألمانيا أيضا. لكن وزارة الداخلية الألمانية في برلين ذكرت ردا على استفسارات عدم وجود ما يؤشر بمثل هذا الاحتمال. في الغضون تعلو أصوات برلمانية تطالب حكومة ميركل بفرض عقوبات على الدول التي تعرضت فيها سفارات أوروبية لاعتداءات. ويرى المراقبون سورية مرة جديدة تحت المجهر. وكذلك المناطق الفلسطينية على ضوء الفوز الساحق لحركة (حماس) في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وقال رئيس الحزب الليبرالي المعارض جيدو فيسترفيلله تعليقا على الصور التي عرضتها محطات التلفزيون الألمانية ظهر فيها العلم الألماني يحترق في شوارع غزة: إن الرد الألماني ينبغي أن يكون وقف المساعدات المالية للفلسطينيين. وطالب النائب شوكنهوف من الاتحاد المسيحي الحاكم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول لأنها بحسب اعتقاده لا تستحق أن تكون شريكا في العلاقات الدولية. أما وزير الخارجية الجديد فرانك فالتر شتاينماير فقد حرص على التصريح بأنه ينبغي الحيلولة دون وقوع صراع الحضارات.
بالنسبة إلى البعض بدأ هذا الصراع. إذ في غمرة أزمة الرسوم الاستفزازية التي لا تمت لحرية الصحافة بصلة شاء القدر أن تصدر فضيحة جديدة من ولاية بادن فورتمبيرغ التي انطلقت منها بداية حظر الحجاب في المدارس الألمانية ثم قانون استجواب المسلمين عن الجنس والإرهاب قبل منحهم الجنسية. فقد صرح وزير أوروبا في الحكومة المحلية لهذه الولاية وعاصمتها مدينة شتوتجارت فيلي شتيشيلي إن القرآن والمسلمين لا يتفقون مع القانون الأساسي (الدستور). ونقلت محطة تلفزيونية محلية عن هذا السياسي الذي ينتمي للحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة ميركل في كلمة ألقاها في لقاء لفرع الحزب في مدينة إينجن جنوب البلاد في سياق التعليق على الظلم الذي يلحق بالمسلمين نتيجة اضطرارهم للخضوع لعملية استجواب مهينة عند طلب الجنسية في هذه الولاية على رغم أن الاستجواب بهذه الطريقة يتعارض مع الدستور الألماني: من لا يعجبه فإننا نهديه بطاقة سفر لمغادرة بلدنا.
في رسالة مفتوحة وجهها حزب الخضر المعارض في برلمان شتوتجارت إلى رئيس الحكومة المحلية جونتر أوتينجر طلبا أن يتنصل علنا من موقف وزير أوروبا في حكومته. أيام صعبة قادمة على المسلمين في ألمانيا أيضا.
العدد 1260 - الخميس 16 فبراير 2006م الموافق 17 محرم 1427هـ