قبل عام جرى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بانفجار قوي في منطقة عين المريسة في قلب العاصمة اللبنانية، وقتل في الانفجار عدد من مرافقي الحريري بينهم الوزير والنائب باسل فليحان وعدد من اللبنانيين والسوريين الذين صادف وجودهم في مكان الانفجار أو بالقرب منه.
وتركت تلك الحادثة ظلالها السوداء ليس فقط في الواقع اللبناني، وانما امتداداً إلى سورية، لدرجة يمكن القول معها، ان اغتيال الحريري بما اعقبه من تداعيات يشكل ابرز تحديات واجهت سورية على مدار عقود مضت. ذلك انه هز بعنف الواقع السياسي في سورية، كما هز علاقاتها مع لبنان، التي كانت قد اتخذت شكلاً من اندماج يقوم على السيطرة السورية، وفي الأبعد من ذلك اثر اغتيال الحريري على علاقات سورية الخارجية في المجالين الاقليمي والدولي.
ان الأثر الأول والمباشر لاغتيال الحريري على السياسة السورية، كان انتقال الموقف من لبنان من مجال السياسة الخارجية إلى السياسة الداخلية، بحث صار الموضوع اللبناني جزءاً من السياسة السورية الداخلية، اذ هو موضوع في سياسات الحكومة على غرار ما صار إليه موضوع انشقاق النائب السابق لرئيس الجمهورية عبد الحليم خدام، وصارت العلاقات مع لبنان موضع اهتمام المعارضة، كما في مطالبتها بسحب القوات واجهزة الأمن السورية من هناك، واعادة تأسيس جديد للعلاقات السورية - اللبنانية، وصار الموضوع محط اهتمام المجتمع السوري الذي انشغل في تداعيات اغتيال الحريري وتردياته على العلاقات السورية - اللبنانية ومنها موضوع العمال السوريين في لبنان، وكلها موضوعات صار على سورية وحكومتها متابعتها في مستويات عدة.
وكان تردي العلاقات السورية - اللبنانية بين أهم الآثار الاقليمية لاغتيال الرئيس الحريري، وفي هذا الجانب، يمكن ملاحظة، أن تردي العلاقات السورية - اللبنانية حدث في المستويين الرسمي والشعبي، فمن الناحية الرسمية أدى ذلك إلى خروج القوات واجهزة المخابرات السورية من لبنان وإلى وقف التنسيق والتعاون بين الدولتين والحكومتين وإلى ظهور أزمات تتصل بالحدود وترسيمها، في موضوع انتقال الاشخاص وحركة البضائع بين البلدين.
ولم تكن نتائج اغتيال الحريري في المستوى الشعبي، أقل خطورة وسلبية، اذ تطور حس معاد لسورية والسوريين في لبنان، يقوم على فكرة تورط مسئولين سوريين في اغتيال الحريري، عبرت عن بعضه هتافات وتصريحات معادية إلى سورية والسوريين، فيما رأت اوساط سورية، أن الموقف اللبناني من سورية والسوريين ولا سيما في موضوع الاعتداء على سوريين في لبنان امر يسيء لعلاقات البلدين، وأظهرت اوساط سورية استياءها من تصريحات لبعض الساسة اللبنانيين.
ولعل التحدي الأكبر الذي واجهته سورية في آثار اغتيال الحريري، كان ذهابها إلى مواجهة مع المجتمع الدولي بعد أن اصدر مجلس الأمن عدداً من القرارات الدولية ذات الصلة بسورية وعلاقاتها مع لبنان، ويندرج في اطار هذه القرارات القرار 1559 الذي صدر قبل الاغتيال، لكن جرى التشديد في تنفيذ شقه السوري من أجل انسحاب سوري شامل من لبنان، ثم تبعه صدور القرارين 1636 و1664 المتصلين بالتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ونشاط لجنة التحقيق الدولية.
لقد بدل اغتيال الحريري وتداعياته كثيراً من جوانب الواقع السوري، وعلاقات سورية مع لبنان، وفرض تغييرات على السياسة السورية، التي انتقلت من مواجهات محدودة على المستوى الاقليمي ناتجة عن علاقاتها بملفات العراق وفلسطين ولبنان إلى مواجهة شاملة في مجلس الأمن الدولي اساسها الوضع في لبنان والعلاقات السورية - اللبنانية.
وبمقدار ما تواصلت ضغوط تداعيات اغتيال الحريري على سورية، أظهرت السياسة السورية مستويات ضعيفة في كفاءتها وفي ادائها، بل بدت في اغلب الاحيان مترددة ومرتبكة في تعاملها مع مجريات الاحداث، كما في الموقف من قرارات مجلس الأمن الدولي التي جرى اعتبار بعضها بمثابة «انتصار» لسورية، واعتبر آخر بانه «تافة» و«مضحك»، وكذلك بدا موضوع التعاون السوري مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الحريري مثار أخذ ورد، وممانعة وموافقة، وجرى اطلاق اوصاف متناقضة بشأن رئيس لجنة التحقيق الدولية والتقارير التي أصدرها.
لقد فرض اغتيال الحريري على سورية تحديات لم تواجهها من قبل في مستويات عدة، وستظل هذه التحديات قائمة، طالما لم تتغير بصورة جوهرية المعطيات المحيطة في مستوياتها المحلية والاقليمية والدولية، التي لا يبدو أن ثمة افق سريع لتبدلها، وان كانت اتجاهات العامة تبدو محسومة بحكم موازين القوى التي لا تخفى على أي من المراقبين والمتابعين
العدد 1260 - الخميس 16 فبراير 2006م الموافق 17 محرم 1427هـ