اتيحت لي الفرصة لرصد العملة الانتخابية العامة في الكويت قبل وأثناء وبعد عملية الانتخاب يوم 16 مايو/ أيار 2009 ضمن وفد الجمعية البحرينية للشفافية، وبترتيب مع جمعية الشفافية الكويتية. وأود هنا أن طرح رأيي الشخصي في هذه الانتخابات.
الملاحظة الأولى هو اهتمام الجميعات السياسية البحرينية كعادتها بالانتخابات الكويتية لما يربط البلدين من وشائج وما يربط التجربتين البرلمانيتين والسياسيتين في البلدين من تأثيرات متبادلة، ولذا يثار السؤال دائما عن تميز التجربة الكويتية قياسا بالتجربة البحرينية وكون الكويت إحدى الدول الست المكونة لمجلس التعاون الخليجي، والذي يتباين كثيرا في تنظيمه السياسي للدولة، وخصوصا السلطة التشريعية فهناك سؤال مشروع وهو هل الكويت استثناء لا يصلح لباقي دول المجلس؟
تأتي الانتخابات الكويتية ضمن مسلسل انتخابات في عدد من الدول العربية ومنها الانتخابات النيابية في لبنان في 6 يونيو (حزيران) والانتخابات الرئاسية في فورتيانيا في 6 يونيو أيضا وانتخابات نيابية في العراق في 15 يناير/ كانون الثاني 2010 وانتخابات بلدية في المغرب في أغسطس/ آب 2009. ولابد للمواطن العربي أن يقارن بين هذه الانتخابات بمدى عدالتها وشفافيتها ونزاهتها وانعكاسها على تطور الحياة السياسية، ومدى صلاحيات المجالس النيابية.
كما أن هذه الانتخابات تأتي في مسلسل ثلاث انتخابات كويتية متلاحقة خلال ثلاث سنوات إثر حل مجلس الأمة مرتين، مما يشير إلى اضطراب الحياة السياسية. هذه الأسئلة وغيرها مطروحة بقوة في الكويت، فيما جاءت نتائج الانتخابات المفاجئة لتطرح أسئلة أخرى حول قناعات ترسخت وثبت بطلانها.
قبل كل شيء يجب أن ندرك أن الديمقراطية الكويتية نسبية ولم تصل بعد للديمقراطية الحقيقة الراسخة كما نراها في ماليزيا مثلا حتى لا نقول الغرب.
وهنا سأقتصر على التجربة البرلمانية والتي هي مكون مهم في النظام الديمقراطي ولكنها لا تختزل النظام الديمقراطي.
أولا: التجربة الكويتية هي الأقدم والأكثر استدامة ليس في الخليج بل قياسا لدول عربية كثيرة، وباستثناء حل وتعطيل مجلس الأمة مرتين في 1976، و1986 لمدة ثمان سنوات، فإن الانتخابات الكويتية تجرى دوريا أو استثنائيا، ومجلس الامة ركن ثابت في مؤسسة الحكم، وقياسا للبرلمانات العربية فهو من أكثرها سلطة في التشريع والرقابة. وهذا لا ينفي أن مشاركة النساء انتخابا وترشيحا لم تتم إلا أخيرا.
وإن الحكومة معنية من قبل الأمير وأن لا وجود للأحزاب، وأن الترشيح والتمثيل في المجلس فردي وليس لأحزاب، وأن خطوطا حُمْر كثيرة محرمة على المجلس ومنها استجواب ونزاع الثقة عن رئيس الحكومة، وأن السلطة الفعلية ووزارات السيادة هي بيد أسرة الصباح الحاكمة. ولكن الصحيح أيضا هو أن أسرة الصباح الأقل تسلطا من الأسر العربية الحاكمة ملكية وجمهورية، ومن هنا تمسك شعب الكويت بأسرة الصباح.
ثانيا: جرت الانتخابات الكويتية لدورة تشريعية ثانية خلال عام ونصف حسب نظام الدوائر الخمس، بعد انتصار إرادة الشعب الكويتي في مواجهة ما كرسه نظام الحكم من تفتيت الكويت إلى 25 دائرة والذي أفسد الحياة البرلمانية والسياسية وحوّل النواب إلى نواب خدمات وسهل شراء الأصوات. من هنا يعتبر نظام الدوائر الخمس ارتقاء بالتجربة البرلمانية ويطمح الكويتيون بالوصول إلى تحويل الكويت إلى دائرة انتخابية واحدة، لكن ذلك يتطلب الاعتراف بالأحزاب، وخوض الانتخابات بلوائح كما هو حال المغرب ولبنان. ونظام الدوائر الخمس الحالي به عيوب. ومنها أن الناخب لا يحق له انتخاب أكثر من أربعة مرشحين من عشرة يمثلون دائرته، كما أن هناك تفاوتا كبيرا بين الكتلة الانتخابية لكل من الدائرتين الرابعة والخامسة (الخارجية أو دائرتي البدء) والدائرتين الثانية والثالثة (الحضر) بما يعتبر إخلالا لا بمبدأ المساواة، فرجاء رسم حدوج الدوائر الثلاث ليخلق تمركزا شيعيا في الأولى، وتمركزا سنيا في الثانية والثالثة، وقبليا في الرابعة والخامسة وبذلك لا يساهم في اندماج الشعب الكويتي، ويعزز العصبيات المذهبية والقبلية والحضرية، مما ينعكس سلبا على نوعية المترشحين وعلى تركيبه مجلس الأمة.
ثالثا: في ظل غياب الأحزاب، على رغم أن في الكويت تكتلات سياسية معلنة انتخابيا، وفي ظل النظام الانتخابي وتوزيع الدوائر فإن البرامج الانتخابية بمعظمها محلية وخدمية وتتوجه لناخبي الدائرة ولا تتوجه أساسا إلى الشعب وإلى قضاياه الكبرى كما أن المترشحين هم من الوجهاء والزعامات المحلية والقلبلية والمذهبية، ولذا فإن قدرات الناخب المالية أساسا ثم وجاهته عنصران حاسمان في قرار الترشيح وإمكان الفوز. لذى فإن المترشحات من النساء قليلات جدا في ظل نظام لم يسمح للمرأة بالمشاركة إلا حديثا. وليس من ممثل للعمال وقليل من قيادي المجتمع من الطبقة الوسطى.
التغيير هي كلمة تختصر شعار ونتائج الانتخابات الكويتية، التغيير بنجاح أربع نساء دفعة واحدة وكان بالإمكان نجاح خامسة هي ذكرى الرشيد في الدائرى الخامسة والتغيير بسقوط قيادات السلف والإخوان المسلمين وبعض مرشحي الائتلاف الإسلامي (الشيعي)، وكذلك مترشح المنبر الديمقراطي عبدالله التيباري.
وبالمقابل نجاح عدد أكبر من المترشحين الليبراليين الديمقراطيين ورجال الأعمال وإسلاميين معتدلين مستقلين سنة وشيعة بعدد أكبر.
أما ما يعرف بالمناطق القبلية (الدائرة الرابعة والخامسة) فاستأثرت بها القيادات القبلية ولكن هذه المرة بمزاولة شديدة من قيادات شابة.
هذا التغيير هو الأفضل، لأنه يأتي بأعداد أكبر من النواب الديمقراطيين والنساء الإسلاميين المعتدليين المؤهلين أصحاب الكفاءات العلمية، ويأتي بمجلس أمة قادر على التعاطي مع التحديات الكبيرة التي تواجهها الكويت لتعويض ما فاتها نتيجة الشلل في الحياة السياسية بسبب المواجهات المستمرة بين النواب التحالف الإسلام السياسي والقبائل من ناحية والحكومة من ناحية أخرى، واستغراق المجلس في تافه الأمور.
لذا ستتركز الأنظار في الكويت وخارجها على قدرة كل من حكم الصباح ومجلس الأمة للارتقاء بالنظام السياسي بحيث يتجاوز المحرمات الخطوط الحمر المعروفة، بحيث يخضع الجميع للدستور ومقتضياته وأن لايكون الحكم غنيمة بل مسئولية وشرف وأن لا يكون أحد فوق الحساب، وأن تكون مصلحة الكويت فعلا هي المعيار وليس شعارا يتردد في الحملات الانتخابية والمناسبات، وهنا سوف تشكل التجربة الكويتية تحديا فعليا للانظمة الخليجية والعربية.
العملية الانتخابية سارت بيسر وسلامة وشفافية، وقد أتيح للصحافيين ومندوبي جمعية الشفافية الكويتية كما أتيح لنا كمندوبين للجمعية البحرينية للشفافية دخول قاعات الاقتراع وهذا من دون المراقبة الكاملة بالتأكيد، لكنه مكّن الجميع من التأكد من سلامة عملية الاقتراع، كما أن وجود مندوبين للمترشحين خلال عملية الاقتراع والفرز يتيح رصد العملية برمتها. وحتى الآن لم يتم الطعن في نزاهة الانتخابات وشفافيتها وتظل هناك شكاوى في عملية ما قبل الانتخابات من شراء للأصوات، واحتكار البعض ممن يملكون المال والسلطة على الإعلام وحرمان الآخرين منه، وسلطة المال والجاه في تأمين الحشود والناخبين، وغير ذلك، وهكذا فإن النظام الانتخابي الكويتي يحتاج إلى إصلاح عميق، لأنه لم يتغير جوهريا منذ 1963 حتى الآن. هذا الاهتمام الكبير بالانتخابات في بلد صغير كالكويت، يعكس شوقا عربيا حقيقيا للانتخابات التنافسية والحرة والنزيهة والشفافة والتي يترتب عليها تغيير حقيقي وتبادل للسلطة.
هل الكويت استثناء خليجي وعربي؟ نعم هي استثناء إلى حد ما في واقع التجربة ولكنها ليست استثناء بالممكن. قُيّض للكويت مؤسس الدولة وهو المرحوم عبدالله السالم الصباح، المؤمن بالديمقراطية والمشاركة السياسية، وهو الذي وضع أسس النظام القائم. وعلى رغم العبث ببعض جوانب التجربة والمؤسسات إلا أنه ويتمسك شعب الكويت بالدستور ونضاله أيضا استمرت التجربة.
ولو قيض لبداننا الخليجية والعربية الأخرى حكام هم رجال دولة فعلا ويؤمنون بحقوق الشعب وبالديمقراطية والمشاركة السياسية والنزاهة والعفة، لاختصرنا كثيرا آلام ولادة الديمقراطية وترعرها. بلداننا العربية مهيئة لما تحقق للكويت وأكثر لكن إرادة الحكم السياسية تعيق الإصلاح والتحول الديمقراطي وقوى التغيير أضعف من تفرض التغير، لكن الكويت تعطي إشارة إيجابية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 2454 - الإثنين 25 مايو 2009م الموافق 30 جمادى الأولى 1430هـ