كانت الحياة في الخمسينات... والستينات من القرن الماضي بسيطة جداً في عموم مناطق البحرين... وغير معقدة مثلما هي الحال الآن... كان الناس بسطاء... وذاك من ذاك الذي يعرف أن يتكلم باللغة الإنجليزية... لغة الصاحب... وكانوا يسمونها العنكريزية.
صبية الفريج... ومع فريقهم الذي يعتقدون بأنه لا يقهر، دائماً ما يعملون مباريات في ألعاب القوى مع فرق الفرجان التي بجانبهم... وقد كانت هناك أسماء مشهورة لديهم في الركض وفي القفز خصوصاً.
في ذالك الوقت، كانت هناك أعداد متباعدة (في كل فريج) من الدكاكين التي تبيع الحلاوة والعصائر والمشروبات الغازية... الحلاوة كان لا يزيد عددها على ثلاثة أنواع أو أربعة في أحسن الحالات، نذكر منها حلوى البلعوم، والبرميت، والبهلوان... ولا أعلم لماذا سمي بالبهلوان... والعلكة كانت ثلاثة أنواع... علك الملوك، وعلك أبو أربع ( يعني قيمته أربع بيزات )، وعلك أبو آنتين (يعني قيمته آنتين التي هي ثماني بيزات) وهذا العلك له رائحة عطرة لذلك تستخدمه كثيراً البنات وربات البيوت... وهو موجود حتى الآن واسمه لم يتغير ولكن سعره ارتفع.
المشروبات الغازية كانت عبارة عن نامليت وكندادراي... والعصائر كانت بدايتها عصير البرتقال المعلّب... وبالإنجليزي يسمى أورنج جوس... وآباؤنا يسمونه عرنجوس... وبعد أن جاءت العصائر الأخرى مثل عصير الطماطم (الطماط) وعصير المانجو (همبة) بعد العرنجوس... أصبحت أسماؤها عندهم عصير طماط على عرنجوس وعصير همبة على عرنجوس.
كان أصحاب هذه الدكاكين الصغيرة يضعون لديهم عدة ألعاب مثل الكيرم والدامة... وهم يجلبون هذه الألعاب بداية حتى يقطعوا بها الوقت ويتسلوا في لعبها مع أصحابهم الذين يزورونهم في دكاكينهم... ثم أصبح لكل دكان مرتادوه الذين يجلسون بالساعات فقط لكي يلعبوا الكيرم أو الدامة... ثم تطورت الأمور إلى موضوع تحد للفوز... وأصبح هناك أبطال معروفون لكل لعبة ويشار إليهم بالبنان.
في مطلع الستينات أحيل عبدالرحمن العوضي من عمله في شركة نفط البحرين (بابكو ) إلى التقاعد... فأخذ مبلغ التقاعد واشترى به منزلاً قديماً لعائلة العسمي ويقع مقابلاً لمنزلنا في فريج الشيخ حمد بالمحرق... ثم هدم المنزل القديم وأقام بدلاً منه مشروعاً استثمارياً مكوناً من طابق ثان مؤجر وكراجات مؤجرة ومنزل يسكن فيه ودكان يبيع ويقضي فيه أوقات فراغه.
وضع العوضي أمام دكانه طاولات عليها الكيرم والدامة... وفي ذلك الوقت نحن كبرنا على لعبة الصبية التي هي ألعاب القوى... فأصبحنا من الزبائن الجالسين دوماً أمام دكانه لممارسة لعبة الكيرم خصوصاً... وأصبحت لدينا في الفريج أسماء رنانة في هذه اللعبة ومن الصعوبة هزيمتهم... وبكل تواضع أنا واحد منهم.
في الفريج الذي يسمى فريج بودهيش (وهو لا يبعد عن فريجنا كثيراً) كان هناك دكان على الزاوية ويملكه حسن الهاجري... في هذا الدكان كان هناك لاعب مشهور في لعبة الكيرم... اسمه خليل... وهذا اللاعب مكسر مجاديف الجميع... يعني يفوز عليهم بسهولة كبيرة... وإذا كانت نهاية المباراة هي في إحراز أي من اللاعبين 29 نقطة قبل الآخر، فإن خليل دائماً ما ينهي المباراة قبل أن يصل خصمه في اللعبة إلى ثلاث نقاط... لذلك، يهاب الكثيرون اللعب ضده وخصوصاً إذا كان على الخاسر شرط شراء عصير للفائز.
وصلتني شهرة اللاعب خليل في الكيرم... وكيف أنه يجلس على طاولة اللعبة بالساعات من دون أن يتمكن أحد من هزيمته وإزاحته من على الطاولة... لأنه من شرط اللعبة أن يترك الخاسر مكانه للاعب آخر، أما الفائز فهو يبقى للتنافس مع اللاعب الجديد... وأنا قررت هزيمة بطل فريج بودهيش في الكيرم.
في مساء أحد الأيام، ذهبت - طبعاً مشياً على الأقدام - إلى دكان الهاجري... وسحبت لي كرسياً وجلست أراقب خليل وهو يتفنن في إخراج اللاعبين واحداً بعد الآخر وبسهولة كبيرة... لم يكن أحد يعرفني هناك وانتظرت دوري حتى حان... جلست مقابلاً له في اللعبة، فقال (بعد أن لعبنا فترة تسخين وشاهد لعبي) إنه سينهي اللعبة قبل أن أصل إلى النقطتين... قلت له لنرى من يصل إلى 29 أولاً... ولعبنا مباراة كبيرة ومشهودة.
انهزم خليل قبل أن يصل إلى العشر نقاط... فاشترى لي عصير همبة على عرنجوس
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1259 - الأربعاء 15 فبراير 2006م الموافق 16 محرم 1427هـ