في أكثر من مقالة توقفنا أمام موضوع الاستثمارات الأجنبية وتناولناه من أكثر من زاوية، إذ أننا نعتقد أن أهمية الموضوع في إطار الواقع والمعطيات الاقتصادية الراهنة لا يرتبط أساسا ومباشرة بالحاجة إلى رؤوس الأموال، على رغم من الأهمية المتزايدة التي بات يكتسبها هذا العامل، وليس بموضوع نقل التكنولوجية أيضا، على رغم أيضا من حيوية هذا العالم، ولكن لكون تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى أي بلد يخلق سلسلة من التشابكات البينية والعمودية والأفقية بين اقتصاد البلد المستقطب للاستثمار وبين أصحاب رؤوس الأموال المستثمرة، تسهم بدورها في تحقيق أهداف ابعد من موضوع جذب الأموال والتقنية الحديثة.
وتتمثل هذه الأهداف في وضع البلد المستقطب للاستثمارات - خصوصا عندما تتحول هذه الاستثمارات إلى مشروعات خدمية أو إنتاجية تقوم على الميزة النسبية للبلد - على خارطة التجارة العالمية، كما تخلق تلك الاستثمارات تشابكات إيجابية مع الكثير من القطاعات الأخرى بصورة غير مباشرة، وتخلق المزيد من فرص العمل. ولعل هذه الأهداف نراها متحققة بشكل واضح في بلدان مثل ماليزيا وسنغافورة وكوريا وتايوان والصين التي استطاعت من خلال نجاحها في استقطاب الاستثمارات الأجنبية في تعظيم الاستفادة من هذه الاستثمارات من خلال تحقيق هذه الأهداف.
لذلك، يمكن القول أن الاستثمار الأجنبي بات يمثل ليس مصدراً مهماً لرؤوس الاموال اللازمة لتحقيق النمو في البلدان النامية، فحسب، بل لديمومة التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبشرية على المدى البعيد0 ولذلك أيضا لا بد من الحديث عن ماهية الاستثمارات الصحيحة التي يجب على بلدان دول المنقطة السعي لاستقطابها وذلك لضمان تحقيق الأهداف التي أشرنا إليها.
فنحن، وعندما نتحدث عن الاستثمارات، قد تكون استثمارات غير مباشرة مثل الاستثمار في الأسهم والصناديق الاستثمارية والأوراق المالية وغيرها. وأما أن تكون استثمارات مباشرة، أي استثمارات في مشروعات انتاجية وخدمية متنوعة تأخذ عدة أشكال من حيث الملكية، إذ طبيعة الأسواق التي تخدمها، إذ ارتكازها على ميزة نسبية معينة. وتعرف في هذه الحال باسم الاستثمار الاجنبي المباشر.
وكما ذكرنا، فأن الاستثمار الاجنبي المباشر يحقق للبدان النامية فوائد اكبر كثيرا من الاستثمارات غير المباشرة في الحوافظ والصناديق والموجودات المنقولة، بل أنه يحقق لهذه الدول - وكما ذكرنا أيضا - فوائد أكبر من مجرد تزويد البلدان النامية بالموارد التمويلية اللازمة لنموها، وجلب التكنولوجيات الجديدة واساليب الادارة الحديثة والتقنيات ذات القيمة المضافة العالية للاقتصاد الوطني، إذ أنه يتيح لها الوصول إلى الأسواق العالمية وبناء شبكة واسعة من المصالح مع مختلف دول العالم يكون لها بدورها انعكاسات متعددة الجوانب على الاقتصاد الوطني، مثلما يسهم أيضا في توافر فرص العمل القائمة على الوظائف ذات القيمة المضافة العالية، وهذا يعني أنها وظائف ذات دخل جيد للفرد يقبل به المواطن في البحرين، بخلاف ما كان يحدث في السابق من استنادها على كلفة الرخيصة للعمالة الأجنبية، وهي أحد الأسباب التي أسهمت في بروز البطالة خلال السنوات الماضية بشكل بارز
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1259 - الأربعاء 15 فبراير 2006م الموافق 16 محرم 1427هـ