قبل يومين، وصلت دعوة من شباب أحد مآتم المنطقة الغربية للمشاركة في ندوة عن «تقييم عاشوراء»، واعتذرت آسفاً لظروف العمل. الدعوة في ذاتها تعكس هاجساً إيجابياً لدى مجاميع الشباب العامل في فعاليات الموسم المختلفة، فهناك حاجةٌ ماسةٌ للتقييم ومراجعة الذات، أفراداً ومؤسسات. فهؤلاء جميعاً يعملون متطوّعين، بوحي من الإحساس بالواجب، وهو ما يختزله الوعي العام في عبارةٍ شعبيةٍ محبّبةٍ إلى النفوس: «خدمة الحسين»، بما تحوي من طاقة هائلة تدفع للعطاء والبذل.
التقييم يمكن النظر إليه باعتباره نوعاً من الطموح للأفضل، ومراجعة الذات ضرورة، فالشعوب الحيّة هي التي تراجع نفسها وتقيّم أعمالها باستمرار. وموسم عاشوراء، يستحق مثل هذه المراجعة التي يأملها الجميع ولكن لا يتكلم عنها أحدٌ بصوتٍ مسموع.
التوقيت الذي اختاره شباب الغربية وربما غيرهم أيضاً، مناسب جداً، لأنه يأتي في وقت هدوء، بما يسمح للعقل بالحركة. وكقاعدة عامة، يلزم أصحاب الشأن أن يهتموا بمبدأ: «كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً»، في كل ما يقومون به أعمال وفعاليات. والعصر عصرُ فضائيات، وعملٌ خاطئٌ واحد قد يقوم به بضعة شبان في قرية صغيرة، يمكن أن يستخدم لطعن مذهبٍ من أعرق المذاهب الإسلامية، ويتحوّل إلى خنجرٍ في يد من يتصيّد عليك الأخطاء. من هنا يفترض أن يراجع المجتمع أعماله وأنشطته باستمرار، انطلاقاً من الرغبة في الإصلاح الذاتي، وليس خضوعاً لما يقال عنه، كما يحدث في مشاريع الإصلاح العربية.
وفي الوقت الذي يشهد «عاشوراء البحرين» تطورات إيجابية في وسائل التعبير عن إحياء هذه الذكرى الدينية التاريخية، نرى هناك «مقاومة» تتخذ صورة الإصرار على طرق التعبير القديمة عن الحزن في الشارع. في العام الماضي كانت هناك محاولةٌ لاستيراد طريقةٍ متخلّفةٍ للتعبير عن الحزن من الممارسات المألوفة لدى مسلمي شبه القارة الهندية، بالوطء على الجمر، لكنها لم تلق قبولاً في البيئة البحرينية.
الإشكال ليس في النقل أو التأثر من هذا البلد أو ذاك، فالتأثير والتأثر من سنن الحياة، ومن لم يقلّد في موكبِ عزاءٍ ديني لتأبين حفيد الرسول، سيقلّد في موكب رياضي أو حفلات موسيقى صاخبة أو قرع طبول. لكن إذا كان هناك من يميلون للتقليد، فليقلدوا الآخرين في الطرق المقبولة والوسائل السليمة. بل أزعم أن هذا البلد الصغير - لولا عقدة النقص - قادرٌ على تقديم إنتاجاته وإبداعاته للخارج، بدل التلذّذ بممارسة التقليد الأعمى للآخرين.
مراجعة الذات، تشمل أيضاً ما يقدّمه الخطباء والشعراء والرواديد (منشدو المواكب الحسينية)، والإنتاج الفني من رسم وتشكيل وتمثيل، وإنتاج مسرحي وسينمائي، فليس كل ما يتم إنتاجه ممتازاً، ولابد من حركة مراجعةٍ ونقدٍ لتصحيح الأخطاء من بداياتها، وخصوصاً أن هناك من يتعامل مع عالم القرن الحادي والعشرين، بروحٍ عاطفيةٍ ساذجةٍ، وكأنه مازال يعيش قبل قرنين، ويتعامل مع العالم الواسع كما يتعامل مع صندوق صغير مغلق. «عاشوراء»، هذه المناسبة الضخمة، إذا لم تحسنوا إحياءها والتعبير عنها بطريقة «كونوا زيناً لنا»، فتيقنوا ان البديل الآخر لم يعد مقبولاً حتماً من «خدّام الحسين» الحقيقيين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1259 - الأربعاء 15 فبراير 2006م الموافق 16 محرم 1427هـ