عاد «الثنائي الشرير» نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى واجهة الإدارة الأميركية بعد غياب مدروس دام أكثر من سنة. خلال السنة وتحديداً بعد تجديد الولاية الثانية للرئيس جورج بوش جرى التوافق على إعطاء فرصة (مهلة زمنية) لوزيرة الخارجية كوندليزا رايس، البديلة عن كولن باول، تجرب فيها حظها وتمتحن تصوراتها. فالغياب ليس قسرياً كذلك لم يكن منحة وإنما جرى التفاوض بشأنه في داخل الإدارة بسبب اعتراض رايس على تدخل «الثنائي الخبيث» في شئون الخارجية والهيمنة عليها من خلال رسم خطوطها الاستراتيجية.
آنذاك كان بوش خارجاً لتوه من انتصار انتخابي فاق التصورات وأعطاه ثقة بالنفس وزخماً سياسياً افتقده في الولاية الأولى بسبب اتهامات صدرت بحقه تتعلق بشأن تزوير نتائج ولاية فلوريدا. كذلك كان الرئيس المجدد له يحتاج إلى فترة نقاهة لدراسة ما أسفرت عنه سياسات الحروب التي اعتمدها بذريعة الثأر من هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
حاجة بوش إلى الراحة توافقت مع رغبة رايس في الابتعاد قليلاً عن تطرف الثنائي تشيني - رامسفيلد وهو تطرف لوث سمعة الولايات المتحدة وأثار بوجهها الكثير من الخصوم في أوروبا والعالم.
رايس ليست بعيدة عن تيار الصقور ولكنها تتمتع بمزايا عقلانية يفتقدها «الثنائي الشرير» ويحتاجها بوش لفرض نوع من التوازن في رؤية العالم من الزاوية الأميركية. وبوش أيضاً ليس بعيداً عن الصقور ولكنه وجد نفسه في تلك السنة أنه بحاجة إلى نوع من التجديد، وهذا ما جعله أقرب إلى رايس.
هذا التوافق لم يمر بهدوء. إذ أحدث سلسلة تشنجات بين الخارجية والدفاع دفعت رامسفيلد إلى تقديم استقالته ثلاث مرات للرئيس. إلا أن بوش رفضها حتى لا يقال إن حربه على الإرهاب انتهت إلى فشل ذريع. لعب بوش ورقة رايس لمدة تزيد على سنة واحتفظ بورقة رامسفيلد بناء على نصائح نائبه تشيني.
حاول بوش المراهنة خلال تلك السنة على سياسة خارجية تديرها رايس من دون تدخل مباشر يمارسه الثنائي المتطرف وثقيل الدم. واستهدف بوش من تلك المراهنة تقليل مخاوف الثلاثي الروسي - الألماني - الفرنسي من الاستراتيجية الهجومية التقويضية التي تتبعها الولايات المتحدة في منطقة «الشرق الأوسط الكبير». كذلك راهن على احتمال تحقيق اختراق كبير في «الشرق الأوسط» يستقطب قوى جديدة وحليفة إلى جانب تقديم ضمانات للاتحاد الأوروبي بالعودة إلى سياسة المشاركة وضمان توازن المصالح من خلال تجديد بناء جسور الثقة التي أطاح بها «الثنائي الشرير».
الآن كما يبدو انتهت مهلة السنة وحققت رايس خلالها سلسلة نجاحات ولكنها لم تكن كافية وضمن المواصفات المطلوبة أميركياً. فهناك الكثير من الأمور تحققت على المستوى النظري العام إلا أن النتائج الميدانية لم تكن متجانسة مع التصورات التي تعتقد الولايات المتحدة أنها الصحيحة. فكل التجارب الانتخابية التي سمحت أميركا بها ومررتها بحدود نسبية هنا أو هناك أوصلت إلى المجالس التشريعية قوى على خصام سياسي مع الإدارة الأميركية. كذلك لم تسفر سياسات تهدئة الخواطر والجبهات عن نتائج مثمرة تلبي طموحات الصناعات العسكرية وشركات النفط ومؤسسات التخطيط الحربي التي يمثل مصالحها «الثنائي الشرير». فهذه السياسات لم تكن مضرة في المطلق بل إنها أعطت صورة معقولة عن توجهات محتملة لفترة وجيزة... إلا أن هذه الإيجابيات كانت بالنسبة إلى الحسابات التجارية التي تعتمدها الاحتكارات والتكتلات واللوبيات أقل من المطلوب من ولاية ثانية راهن عليها كثيراً تيار «المحافظين الجدد».
الآن وبعد انقضاء أكثر من سنة على قيادة رايس السياسة الخارجية عاد «الثنائي الشرير» إلى واجهة الإدارة الأميركية وبدأ يرسم ويخطط الأهداف الاستراتيجية المطلوب تنفيذها قبل نهاية عهد بوش الثاني في العام 2008. هذا لا يعني أن رايس أُبعدت عن مهمة الإشراف على إدارة السياسة الخارجية، إلا أن الجديد في الموضوع عودة الثنائي إلى الظهور بقوة على شاشة «البيت الأبيض»، والتأثير مباشرة على تحريك الأزمات.
العودة ليست حميدة بالتأكيد فهي بدأت أولاً بجولة تشيني إلى مصر والسعودية ودول الخليج وألحقت ثانياً بجولة رامسفيلد إلى دول المغرب العربي. وفي الجولتين ظهرت بوادر سيئة وعلامات سلبية ليست بعيدة عن أجواء الشحن والتحريض وتكرار الكلام عن جبهة عالمية لمحاربة الإرهاب وتشكيل قوات لمكافحة التطرف. وحين يتحدث «الثنائي الشرير» عن التطرف فمعنى ذلك أن نظرية «الحرب على الإرهاب» ليست بعيدة ميدانياً عن الأفق السياسي في المنطقة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1259 - الأربعاء 15 فبراير 2006م الموافق 16 محرم 1427هـ