العدد 1258 - الثلثاء 14 فبراير 2006م الموافق 15 محرم 1427هـ

«النسائي» بين التدخل في السياسة و«الحقوق» والبحث عن إجابات

سبيكة محمد النجار comments [at] alwasatnews.com

الفرق بين العمل السياسي الحزبي والعمل في مجال الحقوق السياسية للإنسان من أول الدروس التي يتلقاها نشطاء حقوق الإنسان. والفرق بين المجالين واضح وجلي ولا يمكن للعارفين الخلط ما بين الأمرين. فالعمل السياسي هو من اختصاص المنظمات السياسية سواء أكانت أحزاباً أو جمعيات سياسية كما هو الحال عندنا في البحرين. فالمنظمات السياسية سواء تلك التي مع الحكومة أو المعارضة كلها تطمح للوصول إلى السلطة السياسية والحكم. وتصب معظم - إن لم نقل كل اهتمامها وأنشطتها - لتحقيق هذه الغاية. وتختلف توجهات المنظمات بحسب اختلاف الأنظمة السياسية في بلدانها. ففي الأنظمة الديمقراطية الأوروبية تسعى الأحزاب للوصول إلى قمة السلطة السياسية كرئاسة الوزراء في بريطانيا أو رئاسة الجمهورية كما هو الحال في فرنسا على سبيل المثال. كما تسعى جميع الأحزاب إلى الحصول على الغالبية البرلمانية وذلك لكي تتمكن من تطبيق توجهاتها وخططها. الشيء نفسه ينطبق على البلدان العربية وغالبية بلدان العالم الثالث على رغم حال الديمقراطية المنقوصة لديها.

التعاطي مع السياسة في مجال حقوق الإنسان يختلف اختلافاً جذرياً عما ذكر سابقاً. فالمنظمات والجمعيات التي تعمل في هذا المجال كل بحسب تخصصه عليه أن يدافع عن الحق الإنساني وعن المبدأ من دون أن ينتظر مردوداً أو نتيجة لصالحه.

أي أن التعاطي مع العمل السياسي يكون بهدف تحقيق المبدأ كحق إنساني وليس بهدف وصول الجمعية إلى سدة الحكم بأي شكل كان.

السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي المنظمات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان؟ هل هي المنظمات الحقوقية فقط كجمعيات حقوق الإنسان والمحامين؟ إذا سلمنا أن حقوق الإنسان تشمل مجالات عدة وفئات كثيرة من البشر من السكان المحليين والأطفال والمرأة والفئات المهمشة والأقليات وغيرهم، كما يشمل نطاق عملها مجالات متعددة كنشر الوعي بمبادئ حقوق الإنسان والاتفاقات الدولية ورصد الانتهاكات والحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

من هذا المنطلق فإن المنظمات النسائية بما في ذلك الجمعيات النسائية والاتحاد النسائي البحريني تعتبر جزءاً أساسياً من جمعيات حقوق الإنسان. وهي تختص بالعمل والدفاع عن حقوق فئة معينة وهي المرأة.

السؤال الثاني ما حقوق المرأة؟ هل هي حقوق إنسان أم لا؟ وهل الحقوق السياسية للمرأة من حقوق الإنسان؟ (يذكرني هذا السؤال بالجدل الذي دار في أوروبا قديماً حول ما إذا كانت المرأة إنساناً).

ويجرنا هذا السؤال إلى الحديث عن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان(الإعلان العالمي والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية) إضافة للمواثيق الدولية الخاصة بالمرأة ومنها اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاق الحقوق السياسية للمرأة وغيرها.

يركز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على المساواة في الحقوق دون تمييز على أساس الجنس أو اللون أو العقيدة إلخ. أي أن المرأة كما الرجل يجب أن تتمتع بهذه الحقوق.

ويركز العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الحق في العمل والاشتراك في النقابات وحق الإضراب والحقوق الأسرية بما في ذلك حماية الطفولة والأمومة وحقوق من السكن والغذاء والملبس والعيش الكريم والتعليم والمشاركة في الحياة الثقافية. وهو لم يميز في هذه الحقوق بين الجنسين. أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فيركز على حق الشعوب في تقرير مصيرها وتساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية. وهو يورد حقوقاً عدة نذكر منها ما يتعلق بموضوعنا. فالمادة (22) تقر بحق الفرد في حرية تكوين الجمعيات. وتذكر الفقرة الثانية من المادة نفسها بأنه «لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم» إذاً هل في الثلاثة أهداف من الأهداف الأساسية التي نص عليها النظام الأساسي للاتحاد النسائي وتريد وزارة التنمية الاجتماعية إلغاؤها ما يشكل تهديداً للديمقراطية أو الأمن القومي أو غيره مما سبق ذكره؟ الجواب على ذلك هو بالنفي. فوجود الاتحاد سيعزز الممارسة الديمقراطية وسيكون داعماً للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك.

كما انه لا يشكل تهديداً لأحد بما في ذلك المجلس الأعلى للمرأة، بل على العكس سيكون داعماً له مثلما سيكون المجلس الأعلى داعماً للاتحاد. وستتقوى عملية الشراكة بينهما.

إن التطوير والنهضة لا يمكن أن يتحققا في ظل غياب الجهود الأهلية. فمنظمات المجتمع المدني بما في ذلك منظمات المرأة هي الحارس الأمين على الديمقراطية وهي الجهات التي يجب أن تراقب عمل مؤسسات الدولة كالوزارات والبرلمانات وغيرها. وفي هذا تعزيز للديمقراطية وقوة لمؤسسات الدولة. ولا ضير في أن تكون الجمعيات النسائية أو الاتحاد النسائي رقيباً على المجلس الأعلى للمرأة بصفته جهة حكومية. وهذا لن يقلل من مكانة المجلس بل على العكس سيكون خير معين له على تحقيق أهدافه.

تنص المادة السابعة من اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي صدقت عليها مملكة البحرين على ما يأتي: «تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة العامة للبلد وبوجه خاص تكفل للمرأة على قدم المساواة مع الرجل الحق في:

أ- التصويت في جميع الانتخابات.

ب- المشاركة في صوغ سياسة الحكومة وفي تنفيذ هذه السياسة، وفي شغل الوظائف العامة على جميع المستويات الحكومية.

ت- المشاركة في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسة للبلد.

الجمعيات النسائية كانت ومازالت فاعلة في دفع المرأة للمشاركة في العملية الانتخابية. وقد نشطت في فترة الانتخابات البلدية والنيابية السابقة في الاتصال بالفئات النسائية في جميع المناطق والاحياء والتجمعات. وأقامت الندوات وأصدرت الكتيبات والملصقات لحث النساء على المشاركة في الانتخابات. وهذا من صلب عمل المنظمات النسائية سواء الجمعيات أو الاتحاد النسائي في المستقبل. فمن وجهة مبادئ حقوق الإنسان فإن هذه الفعاليات ليست من أجل الوصول للسلطة، ولكن لتمكين المرأة من الحصول على حقوقها كإنسان. أي أنه ليس تدخلاً في السياسة بحسب ما فسرته وزارة التنمية الاجتماعية. فإذا لم تضع الجمعيات النسائية والاتحاد النسائي من أولى أولوياتها العمل على حصول المرأة على حقوقها الإنسانية بما في ذلك الحقوق السياسية، وتنشط في مجال توعية القطاعات النسائية بهذه الحقوق وتمكين المرأة من الحصول عليها، فمن الأفضل لها أن تغلق أبوابها وتستريح.

لقد بدأ منذ فترة التحضير للانتخابات وأبدت بعض النساء استعدادهن لخوض هذه المعركة والتي ستكون بلاشك مضنية لهن. وهن يحتجن للدعم من قبل المؤسسات النسائية على اختلاف أنواعها. ومع تقديرنا لما يقوم به المجلس الأعلى من تدريب هؤلاء على التخطيط والدخول في العملية الانتخابية، فإنه لاتزال هناك حاجة ملحة لتوعية النساء الناخبات على كيفية الحكم على برامج المرشحين لاختيار المرشح الأفضل، ومعرفة حقوقهن واحتياجاتهن لدفع المرشحين رجالاً ونساء لتبنيها.

كل تلك الأمور تحتاج لعمل شاق والجمعيات النسائية والاتحاد النسائي هي الجهات الأهلية المؤهلة والقادرة على تحمل هذه المسئولية. ونكرر مرة أخرى أن هذا العمل يصب في تعزيز حقوق الإنسان للمرأة وليس تدخلاً في السياسة. كما يصب كذلك في دعم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وتعزيز الديمقراطية التي ينادي بها جلالته. فهل في وقوف الجمعيات مع هذا المشروع تدخلا في السياسة؟

أما بالنسبة إلى التداخل بين المجلس الأعلى للمرأة وأنشطة الاتحاد النسائي أو الجمعيات فنرى أن الجمعيات النسائية نشطت ومازالت في مسألة قانون الأسرة وقانون الجنسية لصالح المرأة وأبنائها فهل عليها أن تتوقف عن هذه الأنشطة لمجرد أن جهة حكومية تقوم بذلك؟ ولماذا التركيز على المجلس الأعلى في حين أن هناك جهات حكومية أخرى تقوم بأنشطة مماثلة لأنشطة الجمعيات النسائية، ولم تشترط وزارة التنمية الاجتماعية عدم تداخل أنشطة الاتحاد الذي يمثل الجمعيات النسائية مع تلك الأنشطة. نذكر منها القروض الصغيرة التي قد تتماثل مع قروض بنك التنمية، وتدريب النساء على المهن الذي تقوم به المراكز الاجتماعية في وزارة التنمية الاجتماعية، والاستشارات القانونية والأسرية وغيرها.

من هنا فقد استعصى على فهمي ما ترمي إليه وزارة التنمية الاجتماعية من الضغط على الاتحاد لوضع مادة في نظامه الأساسي تشترط ألا تتعارض أنشطة الاتحاد مع أنشطة المجلس الأعلى للمرأة أو التلويح للجمعيات لمراقبة أنشطتها حتى لا تتعارض مع نشاطات المجلس الأعلى للمرأة.

من ناحية أخرى، فإن البحرين مطالبة بتقديم التقرير الوطني بشأن تنفيذها لاتفاق مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) الذي أعده المجلس الأعلى للمرأة؛ وساهم في إعداده عدد من النشطاء بمن فيهم عضوات من الجمعيات النسائية.

كما أن الجمعيات النسائية مطالبة بإعداد تقرير الظل أو التقرير البديل الذي يطرح وجهة نظرها كمنظمات أهلية في التقدم المحرز بالنسبة إلى حقوق المرأة. وأعتقد جازمة أنه لو أشهر الاتحاد فسيكون الجهة التي ستعد وتقدم تقرير الظل. فكيف ستتعامل وزارة التنمية الاجتماعية مع الجمعيات النسائية بهذا الخصوص؟ هل ستمنعها لأن ذلك يتداخل مع ما يقوم به المجلس الأعلى للمرأة؟ وخصوصاً أن الآراء التي ستطرح فيه قد تتعارض مع التقرير الوطني. وفي حال المنع كيف ستعلل الوزارة ذلك عند سؤالها من قبل لجنة المرأة بالأمم المتحدة؟ إن الحقوق الإنسانية مترابطة ولا يمكن الفصل بينها، فليس من الممكن للجمعيات ولا الاتحاد النسائي العمل في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمرأة بعيداً ع

العدد 1258 - الثلثاء 14 فبراير 2006م الموافق 15 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً