اللقاء مع المخرجة المصرية ايناس الدغيدي، الذي استقيت منه المادة أدناه، وكان منشورا بإحدى المجلات السينمائية المتخصصة التي يصدرها بعض من المثقفين العرب في أوروبا، هو لقاء طويل ملأ ما يصل الى 14 صفحة. خلاله تحدثت الدغيدي، هذه المرأة المثيرة للجدل منذ البدايات ومنذ أن قدمت أول أفلامها في العام 1985، تحدثت بكل صراحة، كعادتها، عن طموحاتها وآمالها في تغيير واقع المرأة العربية والمسلمة، أو الشرقية، كما اسمتها. طموحات الدغيدي تلك حركتها هواجسها الجنسية، التي تزعم بين الحين والآخر انها هواجس تعيشها كل امرأة عربية أو مسلمة أو شرقية.
آمالها لم تكن سوى تحرير الواقع العربي من نظرته الضيقة نحو حقوق المرأة... في نيل حريتها الجنسية! طبعاً ترى الدغيدي ان نيل هذه الحقوق سيعبد الطريق لتنال المرأة بعد ذلك كل حقوقها وإن لم تذكر أي حقوق تلك التي تعنيها والتي تأتي من وراء نيل الحرية الجنسية. إذ إن أفلامها جميعا تركز على حق واحد تعرضه ايناس بطريقة أو بأخرى، هو حق الممارسة الجنسية المفتوحة والعيش بحسب ما تمليه الغرائز البشرية من دون اكتراث لأي قيم أو نظرة اجتماعية أو ما شابه. الدغيدي، هذه المرأة الرائعة في فنها، والتي كان يمكن لها فعلاً أن تخدم الواقع النسائي المزري في العالم بأسره، جاءت لتقتبس واقع المرأة الغربية «الجنسي» ولتعده نموذجا يجدر بالعربيات أن يحتذينه، وكأن الغربيات سعيدات بواقع اللاقيود الذي يعشنه.
تحدثت الدغيدي طويلاً في ذلك اللقاء وطرحت شعارات جميلة وأطلقت صيحات كثيرة وحاولت قدر المستطاع تقديم وجبة استفزازية مثل كل وجباتها، تختلف درجاتها وأسبابها وأنواعها لكني أراهن أن كل من قرأ لقائها ذاك أو أي لقاء آخر أصابته لوثة الاستفزاز تلك.
على أية حال، الدغيدي، هي صورة من صور تخلف الواقع العربي في معالجاته وفي أساليبه، المعالجات التي تنتقدها هي نفسها متهمة الشرقيين بأنهم دائماً يلجأون للصوت العالي في محاولة لإثبات أحقيتهم وبأن الجماهير الشرقية لا تستجيب الا لمن يحسن فن الصراخ. هي على ما يبدو تقمصت ذلك الدور وبدأت تصرخ بصوت عال، أعلى من أي أحد آخر لكنها لم تعلم أن الصراخ الشرقي فن بحاجة لتدريب ويستند على خلفية ثقافية بدا أنها لا تعرف كيف تحسن استخدام أدواتها والغوص في أسرارها. تحسب الدغيدي أنها تحسن صنعاً وانها تنقل المرأة العربية أو الشرقية كما تحب أن تطلق عليها على الدوام، إلى واقع أفضل، لكنها كما يتضح تخطئ في تشخيص الحال النسائية العربية الاسلامية الشرقية. وليس ذلك فحسب بل إنها تضل طريقها حين تحاول أن «تتكتك» وأن تضع لنفسها هدفاً خاويا ومسعى فارغاً تجند كل طاقاتها لتحقيقه والوصول إليه.
نتفق معك يا إيناس في أن واقع المرأة الشرقية مزر وبائس، لكن أسباب ذلك لا تعود إلى عدم قدرتها على أن تعيش حياة جنسية مفتوحة لا يحاسبها فيها المجتمع ولا تكترث هي فيها إلى أي قيم دينية أو إرث ثقافي! المسألة أعمق من ذلك بكثير وقضية الجنس هي واحدة من الأمور التي يجب أن توضع بعين الاعتبار لكل من يريد إصلاح واقع المرأة «الشرقية» من دون أن تكون عيناه تحلمان بنموذج المرأة الغربية وهو نموذج خاو لا يمكن أن يقدم الكثير للنساء العربيات أو الشرقيات
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 1258 - الثلثاء 14 فبراير 2006م الموافق 15 محرم 1427هـ