نواصل في هذه الحلقة النقاش الذي بدأناه قبل فترة بخصوص أداء البحرين في تقرير «الحرية الاقتصادية» للعام 2006. يعتمد مؤشر الحرية الاقتصادية على عشرة متغيرات بغرض ترتيب أداء الدول المشمولة في التقرير السنوي. فقد ناقشنا حتى الآن التفاصيل المتعلقة بستة متغيرات وهي السياسة التجارية، العبء المالي للموازنة العامة، التدخل الحكومي في الاقتصاد، السياسة النقدية، الاستثمارات الأجنبية، النظام المصرفي والتمويل. مقال اليوم يركز على متغيرين اثنين، وهما الأجور والأسعار إضافة إلى حقوق الملكية.
الأجور والأسعار: لاحظ التقرير أن هناك تدخلا من الدولة في تحديد أسعار بعض السلع والخدمات مثل النفط والكهرباء والماء. بمعنى آخر فإن أسعار هذه السلع الاستراتيجية غير خاضعة لقوانين العرض والطلب. ونبه التقرير إلى أن عدداً كبيراً من الناس في البحرين يستفيدون من هذه الأسعار المدعومة وذلك بحسب معلومات مصدرها الأمم المتحدة.
من جهة أخرى، أشار التقرير إلى مسألة تحديد الحد الأدنى للأجور. المعروف أن الحكومة تفرض حداً أدنى للأجور في القطاع العام مقداره 200 دينار شهريا. في المقابل لا يوجد حد أدنى للأجور في القطاع الخاص الأمر الذي سيستمر حتى في مقترح القانون المعدل للعمل في القطاع الأهلي.
يذكر أن تقرير الحرية الاقتصادية يرى أن أي تدخل من جانب السلطات (سواء بتحديد الحد الأدنى للأجور أو تقديم دعم لبعض السلع) أمر سلبي لأن من شأن ذلك تقويض نظام السوق. وعليه جمعت البحرين نقطتين من أصل خمس نقاط في هذا المؤشر، إذ ان أفضل نتيجة هي نقطة واحدة و(تم منح متغير النظام المصرفي والمالي في البحرين أفضل نتيجة ممكنة وذلك على خلفية المنافسة والحرية الموجودة بين المصارف المحلية والمؤسسات المالية الأجنبية العاملة في البلاد). على كل حال تعتبر هذه الدرجة نتيجة ايجابية بحد ذاتها. يبدو لنا أن عدم وجود تمييز في هذا الصدد بين المواطن والأجنبي في الاستفادة من الخدمات المدعومة ساهم في حصول البحرين على نقطة حسنة في هذا المتغير.
حقوق الملكية: أما بخصوص حقوق الملكية، فقد حدث تراجع لأداء البحرين على هذا المؤشر الحيوي من نقطة إلى نقطتين بحجة عدم وجود استقلالية كاملة للقضاء. المعروف أن النظام القضائي (مثل النيابة العامة) مسئول فقط أمام ملك مملكة البحرين. ولاحظ التقرير أن عاهل البلاد يتمتع بسلطات واسعة فيما يخص تعيين القضاة في مختلف المحاكم. بمعنى آخر، يريد التقرير أن يقول إن القضاة عندنا يعملون بطريقة بحيث يكون الديوان الملكي راضياً عن أدائهم، ما يعني عدم تمتعهم بالحرية الكاملة في استصدار الأحكام.
بيد أن التقرير لاحظ أن النظام القضائي في البحرين يتمتع بسمعة لائقة على الصعيد الدولي. وأشار تحديداً إلى عدم وجود شكاوى جوهرية من قبل الشركات الأجنبية العاملة في البحرين التي بدورها دافعت عن قضاياها في المحاكم. لكن قرر القائمون على التقرير خفض الدرجة الممنوحة للبحرين من نقطة واحدة إلى نقطتين بعد إجراء تمحيص مستجد للمسألة بما في ذلك اتباع النظام القضائي إلى الملك. على كل حال يعاب النظام القضائي عندنا عندما يأتي الحديث عن تنفيذ الأحكام. فهناك الكثير من حالات استصدار للأحكام من دون أن تجد طريقها للتنفيذ. والأمثلة على ذلك كثيرة وخصوصا فيما يتعلق بظاهرة الشيكات المرجعة، إذ لا يشعر بالضرورة من صدرت بحقهم أحكام بأنهم في خطر الدخول إلى السجن بل حتى تنفيذ أمر المنع من السفر.
المطلوب من السلطات عندنا الأخذ في الاعتبار ما جاء في تقرير الحرية الاقتصادية لأن من شأن ذلك تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد البحريني في ظل منافسة إقليمية متنامية من قبل دولة قطر، فضلاً عن إمارة دبي. للحديث تكملة غداً (الخميس) لمناقشة متغيري التشريعات والسوق غير الرسمية.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1258 - الثلثاء 14 فبراير 2006م الموافق 15 محرم 1427هـ