شهدت الاعوام الماضية ومنذ ولوجنا منهل القرن الجديد استمرار وبوتيرة اعلى لمسلسل الصراع بين الدول النامية والدول الصناعية حيث بات يتضح بشكل جلي حجم الظلم ومرارته اللذين تشعر بهما الدول النامية وقسوة «الفخ» الذي نصبته الدول المتقدمة لها، وتمثل ذلك جليا في فشل مؤتمرات ترويج للعولمة المكرسة لخدمة الأقوياء وفتح أسواق الفقراء أكثر ما هي عليه. وأولى الدول التي عانت الازمة الطاحنة هي دول جنوب شرق آسيا العام 1997، إذ تحولت من نمر ناهض بازغ الى نمر من «ورق» يرقد تحت الاقدام من دون حراك. ويقول أحد الاقتصاديين ان جولات منظمة التجارة العالمية أبرزت ان الدول الصناعية الكبرى وشركاتها متعددة الجنسية قد عقدت العزم على تنفيذ عملية اجتياح ساحق لمختلف الحواجز التي تقف في وجه التجارة الدولية وحركات رؤوس الاموال. فليس بمقدور الدول الصغيرة والفقيرة أن تمتنع عن الدخول في عضوية المنظمة، فهذه الدول لا يجرؤ معظمها اصلا على اتخاذ قرارات لا توافق عليها الولايات المتحدة خاصة انها مدمنة للمعونات الاجنبية أو هي بحاجة الى مظلة أميركية عسكرية تحميها من دولة مجاورة او غير مجاورة، تستخدمها الولايات المتحدة، أيضا للقيام بهذا الدور،، واذا كان من المستاغ وفقا لآدم سميث في «ثروات الامم» ان حرية التجارة التي تعمل عليها منظمة التجارة (WTO)توسع السوق أمام الجميع وبالتالي زيادة التجارة الدولية والاسهام في رخاء العالم ورفع مستوى العالم ككل وبالتالي استفادة الاغنياء والفقراء معا من ذلك، فان الحقيقة تؤكد ان زيادة حجم التجارة الدولية ليس مرادفا لحرية التجارة وكما انها قد تلبي حاجة بعض الفقراء في جهاز كمبيوتر مثلا، فانها تضر بهم ضررا شنيعا مؤسفا فيما هو أكثر اهمية مثل التعليم والسكن والصحة وهي أمور تحتاج إلى اقتصاد قوي لا يعاني ضغوطا خارجية أو انهيارات داخلية وهو ما يعني ان الثمار الناضجة في أعلى الشجرة ينالها الأقوياء الأغنياء فقط او تسقط في جحورهم بينما يبقى الفقراء على الأرض ينتظرون الفتات الملقى اليهم ، تحت خدعة «حرية التجارة» الذي تستخدمه الدول المتقدمة وقتما يتفق مع مصالحها فقط وتضرب به عرض الحائط إذا تعارض معها، حيث تلجأ تلك الدول المتقدمة إلى غلق مداخل أسواقها باساليب واشكال مبتكرة مثل: مكافحة الأغراق وقانون الاجراءات المضادة والتصاعد في الرسوم الأضافية والحواجز التجارية الاخرى التي فرضت على المنتجات ذات الاهمية القصوى للدول النامية مم يؤدي إلى إجهاض أية فائدة ملموسة قد تعود على الدول النامية. واذا كنا شهدنا فشل الكثير من مؤتمرات منظمة التجارة العالمية، فان الذي يجب الانتباه اليه ان هذا الفشل لا يعود الى ضغوط او قوة موقف الدول النامية في وجه المتقدمة بل يعود الفشل في معظمه إلى «الشجار» الذي نشب بين الدول الكبرى وهؤلاء الكبار كما هو معروف لا يستمر خلافهم طويلا، فسرعان ما يتفقوا ويوحدوا الصفوف في وجه العالم النامي. ومن هنا ليس امام العالم النامي سوى الأخذ بزمام المبادأة وأعمال التطوير الذاتي وتوحيد الكلمة وقيام التكتلات فيما بين دولة واستثمار كل الامكانات المتاحة وهي كثيرة ومتوافرة والافادة من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية قدر المستطاع وتنشيط التبادل التجاري بين تلك الدول، ومطالبة الدول المتقدمة بعدم ممارسة الاضطهاد الاقتصادي ضدها وفتح الأسواق حقيقة وتخفيف الديون وتقديم المساعدات مع توافر الالتزام والارادة السياسية لمواجهة المشكلة على جميع مستوياتها داخليا، خارجيا، اجتماعيا، اقتصاديا، وسياسيا وفق استراتيجيات وخطط وبرامج قابلة إلى التنفيذ فوراً.
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1257 - الإثنين 13 فبراير 2006م الموافق 14 محرم 1427هـ