كاتب كويتي تحمل ذاكرتي في العقود الثلاثة الماضية ردة فعل متشابهة تقريبا عند صدور مرسوم بوزارة جديدة في الكويت، كثيرا ما كانت سلبية، ويجد الناس تبريرات مختلفة لهذه السلبية من زوايا متعددة. الوزارة الجديدة لدى البعض لقيت ردة الفعل المتنوعة نفسها، وفي مجتمع الكويت أصبحت الديمقراطية فيه فعلاً يومياً، خصوصاً من منظور الجهر بالرأي لم يكن متوقعاً غير ما حدث. إلا أن التغيير الأخير له دلالات في أسلوبه وفي أشخاصه، ولدى تفسير لذلك في توصيف اللحظة الكويتية الشاخصة، وهي أن الكويت أخيرا نفضت عنها غبار تبعات الغزو المخزي قبل 15 عاماً من السنين، ويعرف أهل الرأي السياسي أن الشعوب تبقى تعاني ما يعرف ( بالسندروم) بعد الأزمات، وعانت الكويت في معظم تلك الفترة بين التحرير وحتى يومنا هذا من (سندروم) عدم اليقين نقوم بتوصيفه لان الوقت لم يحن لتفسيره. ولم تكن القيادة الكويتية بمعزل عن تفهم الآلام أو تصور العلاج لذلك الشعور من عدم اليقين، إلا أن العلاج كان لابد أن يأخذ وقته، وهو علاج كان له علاقة بالأشخاص كما كان له علاقة بالحوادث. في يقيني أن الخطوة العملية الأولى الفارقة في التخلص من آثار تلك الفترة سياسيا هي مأسسة فصل منصب ولاية العهد في الكويت عن منصب رئيس الوزراء، لقد كانت ممارسة الفصل في الثلاث سنوات الماضية فرض كفاية فأصبحت اليوم فرض عين، كانت فرض كفاية بسبب الظروف الصحية التي ألمت برجال القيادة. إلا انه كانت هناك تكهنات مشوبة بالحذر، بان يعاد الأمر إلى ما كان عليه. هنا يجب أن نقدر بكثير من الاعتزاز حكمة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الذي حول المحتمل إلى ممكن، وأصبح ممكنا بلا عودة، وهي خطوة متقدمة في مسيرة الديمقراطية. لعل الظرف الآخر هو أن الكويت مقدمة في غضون أكثر قليلا من 12 شهرا على مهل سياسية واستحقاقات كبيرة، على رأسها الانتخابات المقبلة، وهي أيضا انتخابات فارقة في المعنى والشكل، ولأول مرة ستساهم المرأة الكويتية في تحديد من سيكون صاحب الحظ في ولوج السدة البرلمانية والمشاركة في التشريع والرقابة، وفي يقيني أن خريطة نتائج الانتخابات المقبلة ستتغير عما كانت عليه. فمن خلال استقصاء دور المرأة الكويتية في نوعين آخرين من الانتخابات هي الانتخابات في الجمعيات التعاونية ومجالس الطلبة، قد يستغرب غير المتابع كيف تُرجح حركة وفاعلية صوت المرأة في النتائج النهائية، وإذا قدرنا أن مثل تلك العوامل ستكون امتدادا لما سبقها وتفعل فعلها نفسه في الانتخابات العامة المقبلة، فالتأكيد هنا يذهب إلى نقلة نوعية قادمة في الكويت ستكون لها أثارها العميقة في شكل تطور المجتمع ومستقبله. بقي القول إن شخصية رئيس الوزراء الجديد وفهمه لاستحقاقات وطنه شيء يعرفه كل من يعرف سمو الرئيس، بجانب شخصية حضارية منفتحة وعارفة بشئون الدنيا حولها وتغيرها، يتميز سمو الرئيس أيضا بعلاقات شعبية واسعة، وبنفس استيعابي طويل البال ومتسع الصدر، وهي صفات تؤدي جميعها إلى تكوين قيادة فاعلة للاستحقاقات المقبلة والكبيرة، أن أضيف إليها خبرة طويلة في العمل العام ومعرفة بالناس في الداخل والخارج. ولعلني أكمل أن الشخصية الثانية في العمل الحكومي القادم هي شخصية نائب رئيس الوزراء ووزير الوزارتين الداخلية والدفاع، هما عبئ يتحمله الشيخ جابر المبارك ويستطيع أيضا بما حمل من صفات شخصية جميلة تحتضن الهدوء والتواضع أن يقود ما أؤكل إليه من عبئ كبير، طبعاً لا يستطيع احد أن يتجاوز الشخصيات الأخرى المهمة في التشكيل إذ يشمل شخصيات لها تاريخ في العمل ورأي واضح في أجندة تقدم الوطن، إلا أني اقتصرت على من اعرف عن قرب، فان كنا نتحدث عن القوي الأمين فالاستبشار واجب. إلا انه قبل التمني علينا أن نعترف أن هناك ملفات مهمة أمام الوزارة الجديدة، ومهل زمنية ضيقة إذ بعضها يحتاج إلى أنجاز سريع، لعل أهمها هو قانون الانتخاب الجديد وتعديل الدوائر، فقد استقر رأي كثيرين من المتابعة في الكويت، أن رأس الإصلاح المتوخى هو إصلاح قانون الانتخاب الحالي من اجل الاحاطة ايجابيا بتمثل الناس، كل الناس، بشكل عادل، وأيضا بتقليل مثالب القانون القائم وتخطي قصوره، الذي قد يؤسس لممارسات مالية وفئوية وقبلية تقلل بجدارة من ممارسة ديمقراطية على سوية متقدمة. والكثير يعرفون أن التفكير في إعادة صياغة القانون قد وضعته دوائر سمو الأمير الشيخ صباح لما كان رئيسا للوزراء على نار ساخنة من اجل إنضاجه في الوقت المحدد، وربما قد تكون أفكاره الرئيسية جاهزة، كما درس بعضا من أفكاره مجلس الأمة، فقانون الانتخاب إذا يحتاج إلى أن يقدم وينجز. أما الموضوع الثاني فهو رفع سقف الحريات المقننة في البلاد باعتماد قانون الصحافة الجديد الذي هو أيضا مُرر بقراءة أولى قبل وفاة المرحوم الأمير الشيح جابر الأحمد طيب الله ثراه، وهو من أوليات العمل الحكومي والمجلسي المقبل. بالتأكيد الملفات المهمة والساخنة الأخرى كثيرة، تزداد سخونتها كالعادة في ظل الاستحقاق القادم للانتخابات، فقد تعودنا أن كل السنوات الأخيرة من حياة المجالس النيابية الكويتية تكون ساخنة بطبيعتها، والسنة المقبلة ليست استثناء فهي سنة ساخنة بحق، إذ تكثر المطالب، وتروج فكرة المطالب الشعبية من البعض بطرح الكثير من القضايا. ولأنها سنة ساخنة بهذا الشكل وجاءت بعد تغيرات كبيرة فان المهمة تزداد ثقلا على العهد الجديد الذي يتمنى كل مخلص أن تحشد كل قدراته لمنفعة الناس منفعة مقننة تقود المجتمع إلى نهضة حقيقية
إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"العدد 1257 - الإثنين 13 فبراير 2006م الموافق 14 محرم 1427هـ