تستحوذ طرق تخفيف وسداد الديون الخارجية إلى جانب تشجيع الاستثمار الخارجي المباشر على تفكير واضعي سياسات الدول وخصوصاً تلك المصنفة في فئة الدول النامية. وتردد كثيرا في الآونة الأخيرة في الأدبيات الاقتصادية تعبير »الحيز المالي«، الذي لايزال يكتنفه بعض الغموض. نائب مدير دائرة الشئون المالية بصندوق النقد الدولي وأحد المفكرين المرجعيين في هذا الصدد بيتر هيلر يحاول حصر التعريف في تلك المساحة من »موازنة أية حكومة تسمح لها بتوفير موارد لغرض منشود من دون تعريض استدامة مركزها المالي أو استقرار اقتصادها للخطر«. ويضيف هيلر موضحا فكرته بالقول »إن الحيز المالي ينبغي أن يوجد أو يتم خلقه، إذا أريد توفير موارد إضافية لإنفاق حكومي جدير بالاهتمام، وتستطيع أية حكومة أن تنشئ حيزا ماليا عن طريق زيادة الضرائب، وتأمين المنح الخارجية، وخفض الإنفاق على البنود الأدنى أولوية، أو اقتراض الموارد )من المواطنين أو جهات الإقراض الأجنبية(، او الاقتراض من الجهاز المصرفي«. ومن الحلول التي ينصح هيلر الدول النامية بالنظر فيها لتوسيع مساحة الحيز المالي هي: »إعادة ترتيب أولويات الإنفاق«، بحيث يتم ترشيد الإنفاق والحد منه في المناطق غير المنتجة مثل الموازنات المرصودة للإنفاق العسكري، و»تعزيز الكفاءة« من خلال تبسيط تنفيذ البرامج والحد من استشراء الفساد في المؤسسات والدوائر الحكومية، و»زيادة إيرادات الحكومة« في البلدان التي تكون فيها نسب إيرادات الحكومة إلى الناتج الوطني الإجمالي منخفضة، عن طريق توسيع وعاء الضريبة وتحسين الإدارة الضريبية، وأخيرا »حسن إدارة وتوظيف القروض المحلية والأجنبية« التي لابد من خدمتها وتسديدها للحيلولة دون تناميها من خلال تراكم فوائدها وتضخمها. إلى هنا وتنتهي نصائح هيلر وإرشاداته لتتركنا أمام مجموعة من علامات الاستفهام: أولها لماذا أننا قلما نسمع عن تعبير الحيز المالي في أي من موازنات الحكومات العربية، بما فيها تلك الدول المثقلة بالديون أو تلك التي تئن تحت وطأة العجز الضخم؟ وثانيها لماذا يندر أن نسمع عن مظاهر الفساد المستشري في صفوف الدوائر المسئولة في بلداننا العربية، وإذا حدث، لا قدر له، وتنامى لاسماعنا فهو للاستهلاك وليس للحد منه؟ وثالثا لماذا لاتزال الموازنات العسكرية تنهب موازنات الحكومات العربية وتشكل حيزاً كبيراً »وليس حيزا ماليا« فيها على رغم أننا لم نحقق نصراً عسكرياً مبيناً على أي عدو خارجي ­ بمن في ذلك العدو الصهيوني ­ سوى في الإعلام الرسمي، منذ ما يزيد على القرن من الزمان