العدد 1257 - الإثنين 13 فبراير 2006م الموافق 14 محرم 1427هـ

هجرة أطباء البحرين الاختصاصيين تثير عشرات الأسئلة

ماالذي خلق المشكلة... عثرات إدارية أم تطلعات مهنية؟

يمثل هذا اللقاء الذي ضم عدداً من الأطباء الاختصاصيين الذين كان لهم شرف خدمة القطاع الصحي في البحرين مدخلاً مهماً لبحث قضية مهمة وحساسة للفت نظر المسئولين ومتخذي القرار في الحكومة. فمن خلال هذا اللقاء، ارتأت المجموعة إلقاء الضوء وتقريب الصورة عن خلفيات هجرة بعض الأطباء الاختصاصيين، في هذا اللقاء المشترك وعلى رغم أن جميع المشاركين هم من الاختصاصيين خريجي أو متدربي البرامج التدريبية في الولايات المتحدة الأميركية فإن ما جمعهم هو توافق الرؤى والانتماء الوطني الذي ولد معهم ولازمهم أثناء تدريبهم، وبعد عودتهم، ومازال كذلك بعد هجرة بعضهم. وبالتالي فإن هذا اللقاء يعبر فقط عن التقاء وجهة نظر معديه بشأن هذه القضية وليس لخصوصية لهم أو مكان تدريبهم، كما لا يمثل بالضرورة موقفاً عاماً لأطباء البحرين وبطبيعة الحال فقد يتفق معهم في الرأي بعض الأطباء وقد لا يتفق معهم آخرون. في لقائنا هذا تتحدث المجموعة وهم: أسامة العرادي، رفيق عدنان، زكريا حبيل، سعاد طريف، سلام إبراهيم، شاكر الصددي، عادل غلوم، فاضل المولاني، قاسم عمران، محمد السماك، هيثم يوسف. ويؤكد المشاركون على أن المعلومات الواردة هنا لا تمثل الحقيقة المطلقة لما يحدث في وزارة الصحة سلباً أو إيجاباً، ونتمنى للمطلع على خلاف ما أوردناه أن يزيدنا إلماماً من أجل الحقيقة. كذلك فإن المعلومات الواردة لن تغطي صوراً أخرى من الصعوبات التي يواجهها القطاع الصحي والأطباء ولكن ما ذكر هو أحد الوجوه ذات العلاقة المباشرة بهجرة الأطباء والتي ونتأمل من المعنيين بها والمهتمين بمتابعتها أن يتحققوا منها قبل التعامل معها كمسلمات من جهة أو كأوهام من جهة أخرى.

المدخل الأول: لا للإثارة،

طرح هذا اللقاء لم يكن بغرض الإثارة الإعلامية أو الانتصار لقضايا شخصية عايشها بعض الزملاء، ولكنها دعوة بحس وطني وبنية صادقة للمسئولين بالوزارة وعلى رأسهم الوزيرة ندى حفاظ والوكيل عزيز حمزة وجمعية الأطباء البحرينية وكذلك لجميع الأطباء والمهتمين بالقطاع الصحي من أجل ترتيب الوضع المهني داخل البيت الصحي فكما تم التعاون من أجل إحداث تقدم في درجات ورواتب الأطباء لتصبح أكثر عدلاً فإن العمل من أجل إحداث نقلة نوعية ترقى باللانسجام الوظيفي داخل الجسم الطبي وبمستوى الخدمة على المستوى المهني لا يقل أهمية إن لم يكن أكثر خطورة. وكما نعلم جميعاً فإن إنسان البحرين هو ثروتها والأطباء الاختصاصيون يمثلون أحد جوانب هذه الثروة ويشكلون أحد أعمدة القطاع الصحي. وإن الحفاظ عليهم وتنميتهم هو استثمار لهذه الثروة، أما التفريط فيهم فهو خسارة للوطن. وعليه، فإننا نرجو من القراء الكرام ومن يعنيهم الأمر أن يدرسوا ويتأملوا محتوى الموضوع وإسقاطاته بمنظور المصلحة الوطنية وبالتالي إيجاد الحلول الفاعلة للقضية وليس للمناكفة والمزايدة وتصيد الأخطاء ضد الأطراف ذات العلاقة. يجمع المتحدثون على أن ظاهرة هجرة الأطباء من مملكة البحرين أثارت عدة أسئلة وانتقادات متواصلة سواء من الكتاب أو المواطنين والنواب. إلا أن ردود وزارة الصحة للمتسائلين أو الصحافة كانت ومازالت تتمثل في محورين أساسيين، هما: أولاً التقليل من شأن وتأثير هذة الهجرة على مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، إذ يزعم بعض المسئولون في الوزارة أن عدد الأطباء المهاجرين 3 فقط، وثانياً توجيه اللوم للأطباء المهاجرين أنفسهم باعتبار أن هدفهم من الهجرة مادي بحت لا تستطيع الوزارة تغيير قوانين الخدمة المدنية من أجله. وبعد متابعة مقالات الكتاب، وتعليقات المتسائلين، وردود الوزارة في الصحافة، أصبح من حق المواطنين والمسئولين والمشرعين معرفة الأسباب الحقيقية للهجرة من أصحاب الشأن أنفسهم.

نبذة تاريخية

على رغم أن الحديث عن هجرة الأطباء ازداد في الآونة الأخيرة الممتدة خلال العامين الماضيين، وتحديداً عندما هاجر الطبيبان الاختصاصيان أسامة العرادي (أمراض الجهاز الهضمي) وعادل غلوم (عناية قصوى)، فإنه في الواقع يوجد عدد أكبر من الأطباء المهاجرين قبلهما ومنذ زمن ليس بقصير إلى أميركا الشمالية والمملكة العربية السعودية، إذ يصل عددهم إلى ما لا يقل عن 10 أطباء في تخصصات مختلفة تشمل كلاً من: العناية القصوى، والأطفال، والتخدير، وعلم الأمراض (المختبر)، والأشعة، والباطنية، والجراحة. إذا اخترنا التسعينات باعتبارها نقطة بداية فإن أحدث الهجرات المعروفة كانت بعد عودة الاختصاصيتين دينا خيامي ونجاة طريف خريجتي جامعة الخليج العربي بتفوق من الولايات المتحدة الأميركية بعد حصولهما على شهادات المجلس الأميركي للاختصاصات الطبية إحداهما في طب الأطفال وعلم المناعة والأخرى في الطب النووي، إذ استطاعتا بمجهودهما الشخصي الدخول في برامج تدريبية مرموقة بعد منافسة وتفوق على خريجي كليات الطب الأميركية والتحاقهما ببرامج تدريبية بجامعتي إلينوي ورش في شيكاغو، وجامعة هارفارد في بوسطن، على التوالي. فأجبرت نجاة طريف كغيرها على العمل لمدة عام طبيبة مقيمة قبل تعيينها استشارية في الطب النووي، ثم كان الوضع العملي غير الصحي عاملاً مساعداً في تسهيل قرارها بالهجرة لأسباب شخصية، فعادت لأميركا وهي تعمل الآن رئيسة لقسم الطب النووي بجامعة نيويورك في بافالو، أما دينا خيامي فقد قررت الهجرة للمملكة العربية السعودية لعدم توظيفها في البحرين بدرجة استشاري وكذلك عدم السماح لها بالعمل استشارية من خلال كلية الطب ما لم تعمل طبيبة مقيمة أولاً وذلك لتقييمها، وعلى رغم أن ذلك كان مجرد عرف تتبعه الوزارة آنذاك، فقد صار قرار «سنة التقييم» سلوكاً نمطياً للوزارة يطبق على كل طبيب اختصاصي عائد من الخارج لا تشفع فيه حاجة القطاع الصحي أو مؤهلاته الأكاديمية، أو سني خبرته الطويلة، أو ندرة تخصصه، أو إيجابية تقييماته السابقة في العمل، وإسهاماته العلمية إذ إن سجل الطبيب المهني وسيرته الذاتية لا يعني لوزارة الصحة شيئاً ما لم يتناغم مع قرار إداري أقرب إلى الخشبية ويفتقر إلى الجدوى المهنية. على أي حال، توالى سفر الأطباء البحرينيين للولايات المتحدة بعد تقديمهم امتحانات المعادلة الأميركية (USMLE) المكون من 3 أجزاء ومن ثم التقدم والمنافسة كالأميركيين على البرامج التدريبية المقننة بالجامعات الأميركية والحصول على شهاداتها بالإضافة إلى اجتياز امتحانات المجلس الأميركي للاختصاصات الطبية، حتى وصل عدد الأطباء الذين التحقوا ببرامج مقننة ومجازة من مجلس التعليم الطبي العالي في أميركا (EMGCA) إما مبتعثين أو بمجهود شخصي إلى ما لا يقل عن 20 طبيباً وطبيبة في مختلف التخصصات، بمن فيهم 13 طبيباً تحت التدريب حالياً في هذة البرامج إضافة إلى عدد ليس بقليل لم نستطع حصره من الأطباء المبتعثين للتدريب والتخصص في المملكة العربية السعودية، وكندا، وأوروبا، وأستراليا. من الجدير ذكره للقراء الكرام هنا أن غالبية الأطباء البحرينيين المبتعثين في كل أنحاء العالم هم ممن قضوا فترات طويلة في خدمة الوزارة وقد اجتازوا قبل ابتعاثهم امتحانات محلية ودولية معترف بها تكفي في حدها الأدنى للتأهل لمنصب استشاري في دول أخرى أكثر تقدماً. وعلى رغم ذلك يتطلب التأهل لمنصب استشاري في البحرين السفر للخارج للتدريب ومن ثم العودة وإعادة التقييم، الأمر الذي يطيل الفترة المطلوبة لحصول الطبيب البحريني على رتبة الاستشاري إلى أضعاف نظرائه في دول المنطقة والدول الأخرى المتقدمة. فبينما يتطلب حصول الطبيب البحريني على درجة استشاري عمله وتدريبه لفترة قد تمتد الى 20 عاماً بعد التخرج من كلية الطب فإن حصول الطبيب الاختصاصي في الولايات المتحدة وكندا على رتبة الاستشاري تتم مباشرة بعد إنهاء فترة التدريب والدراسة التخصصية المركبة بتقنين (Structured Training) التي في معدلها الأقصى لا تتجاوز عادة الستة أعوام، ولم يعرف عن أميركا وكندا تدني الخدمات الصحية نتيجة اتباع هذة السياسة، فلماذا يهدر كل هذا الوقت والجهد بينما نحن في أمس الحاجة إلى توظيف الطاقات للارتقاء بالخدمات الصحية بسبب قرارات إدارية غير مهنية وأحياناً متعسفة من قبل بعض المسئولين؟

أول الغيث

أول العائدين إلى البحرين بعد الطبيبتين المذكورتين أ كان عادل غلوم في العام 2000 بعد إنهاء التدريب لمدة 5 سنوات بمجهوده الشخصي (غير مبتعث، أي لم يكلف الوزارة فلساً واحداً) في الباطنية والعناية القصوى في جامعتي وين ستيت (Wayne State) في ديترويت ­ ميشيجين، وبيلر كولج بمركز تكساس الطبي­ هيوستن، وحصوله على شهادتيهما واجتياز امتحاني المجلس الأميركي للاختصاصات الطبية في التخصصين. بعدها التحق للعمل بمجمع السلمانية الطبي استشارياً في وحدة العناية القصوى، وكان رئيسه في أول 3 سنوات طبيب أسنان أجنبي، نعم طبيب أسنان وليس طبيباً بشرياً مؤهلاً في هذا التخصص، وعندما تحدث للمسئولين عن عدم أهلية هذا الطبيب لممارسة الطب البشري، طلبوا منه السكوت وعدم خلق مشكلات. عموماً، منذ التحاقه بالعمل بدأ تطوير الوحدة وممارسة طب العناية القصوى بما هو متفق عليه من معايير وخطط علاجية عالمية مبنية على البراهين، وقدم عدة خطط تطويرية وتدريبية أوصلها لعدة مسئولين من رئيس الأطباء بالمجمع حتى وزير الصحة، إلا أن النتيجة كانت وصفه بالمشاغب، وخصوصاً أنه آنذاك كان نائباً لرئيس جمعية الأطباء وكان يتصدى للدفاع عن حقوق الأطباء وتطوير الكادر. ولم يكن الجو العملي صحياً على الإطلاق، فقد كان يضطر للنوم في المستشفى لكي يتمكن من رعاية المرضى عندما كان مناوباً، إذ لم يرض مهنياً أوأخلاقياً أن يباشر المرضى الأطباء المتدربون من دون إشراف مباشر لضمان تدريبهم وسلامة العناية الطبية، هذا، في الوقت الذي كان يتعرض فيه للضغط الشديد من المسئولين وبشكل شبه يومي لإسكاته عن الحديث عن المشكلات والنواقص الطبية بوحدة العناية القصوى لأنه يرى مرضى من جميع الأعمار يموتون

العدد 1257 - الإثنين 13 فبراير 2006م الموافق 14 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً