لا أحد يمتلك مناعة ضد الضغوط النفسية والتوتر، فكلنا من بني البشر و كلنا نمر بأوقات عصيبة، من الطلاب إلى رؤساء الشركات والدول، الكل يجد نفسه من حين إلى آخر في حبكة نفسية تلازمه من يوم إلى عدة أسابيع. وأرى أن الكثير من العاملين في البلد، وخصوصاً الشباب العامل في الإدارة التنفيذية، يواجهون في بعض الأوقات الضغوط الناتجة عن متطلبات العمل و توقعاتهم المهنية والشخصية. وأجد أن كلما كان الشخص أكثر طموحاً، زادت توقعاته من نفسه و كلما أراد إثبات نفسه و برهنة قدراته.
من هنا نرى أن الطموحات تأتي مع نوع من العبء النفسي. فبلاشك أن الطموحات تلعب دوراً كبيراً في تشجيع الشخص و خصوصاً الرائد على المبادرة و سلك الطريق الوعر و اكتشاف الجديد، بدلاً من الإقدام على مستقبل عادي. لكن في الوقت نفسه هي بمثابة مقياس يلازم الشخص دوماً، و من حين إلى آخر يواجه هذا المقياس الرائد موضحاً له عمله اليوم بما يريد الرائد إنجازه في المستقبل. ويصبح المستقبل مواجهاً الحاضر، ما يجعل الشخص يعيد النظر في عمله، متأملاً عما يريد حقاً تحقيقه في حياته. وتصبح كل دقيقة، كل ثانية، كل دقة قلب لحظة ضائعة لا يمكن إعادتها. تصبح الأمور الإدارية ومهام الأشغال اليومية تافهة، و نوعاً من الشلل التحليلي ينتج عن كثرة التفكير الذي يؤدي إلى الأرق، والتعب، والتوتر. فلا يرى الشخص الحاضر ولا حتى المستقبل. في هذه الفترة لا يتحلى الرائد بالصبر ويتنرفز كثيراً، ما يؤدي إلى تبادل الكلام الجارح مع زملاء العمل والأصدقاء والأهل.
ما العمل إذاً؟ فهؤلاء الرواد هم الأشخاص الذين يغيرون مجرى الحياة و يصنعون التاريخ، هم الذين يرون المستقبل قبل الآخرين ولا يقتنعون بالالتزام مع متطلباتهم، بل يريدون فقط أن يكونوا مخلصين لطموحاتهم ويبادروا دوماً على تحقيقها. لكن هل هذا عذر بأن يعاملوا الآخرين بوقاحة وربما حتى بشيء من التعجرف؟ كلا، فعليهم أن يدركوا أن مهما بدت الأمور لهم بأنها غير جيدة أو أن مجرى حياتهم أخذ مجرى خاطئ؛ بأنهم ما كانوا يدركوا هذا إلا و ما زال هناك وقت لضبط الأمور و تصليحها. فكل رائد يمر في فترات و مراحل يحس فيها بأن الوقت ينتهي و هو لم ينجز إلا القليل مما أراد إنجازه.
في هذه المراحل العصيبة يجدر بالرائد أن يشاور من هم أقرب إليه، و أن يبعد تفكيره عن الحزن و يدرك أن الحاضر لن يذهب بعيداً و الوقت لم ينته بعد، وأن المستقبل مازال ثابتاً عليه و على أمثاله لصنعه. فيفضل أن يقوم الرائد بإعادة جدولة أهدافه، وأن يستفيد من الزملاء، الأصدقاء والأهل في إعادة النظر عما يريده من الحياة.
الجميل في الأمر هو كلما أحسست بالخيبة أو تأنيب الضمير لعدم الالتزام بما تريد إنجازه بسبب ظروف الحياة، العمل أو الدراسة، تذكر بأنك لست الوحيد في هذا العالم، وأن هناك حولك من هم يريدون نجاحك وسعادتك، أكثر ممن يريدون تحطيمك هناك. كيف؟ لأن في الكون ميزان الخير يفوق ميزان الشر، وإذا عملت بإخلاص وبقلبك، فالله سيكون دائماً في عونك إن شاء الله.
العدد 1256 - الأحد 12 فبراير 2006م الموافق 13 محرم 1427هـ