الحكومة الجيدة تصنع مجتمعاً جيداً، والمعادلة ليست عكسية، المجتمع الجيد ليس بالضرورة قادراً على إنتاج «حكومة جيدة». وبين الحكومة الجيدة، والمجتمع الجيد، نوع من «الهذيان».
أرسطو حين صرح بأن «الإنسان هو بطبيعته حيوان سياسي»، كان بعيداً عن قلق «الدمج» بين «الاجتماعي» و«السياسي»، البعض استنطق من أرسطو ما كان خارج مخيلته، على رغم أن الحجر على «ارسطو» كما أفعل، فيه نوع من الاستخفاف. حقيقة، لا علاقة مباشرة بين «الحكومة» و«المجتمع»، وليست افتتاحية المقال سوى «هذيان» آخر، الحكومة الجيدة ليست بالضرورة دلالة «مجتمع جيد»، وليس ثمة ارتباط مباشر بين «السياسي» و«الاجتماعي».
الصحافة الحكومية - تشمل صحافة الموالاة أو الصحافة المدعومة مباشرة - غالباً ما تذهب إلى اعتبار المجتمعات العربية مجتمعات سيئة، وعلى رغم أن الإطار العام للمجتمع والحكومة هما يتمثلان في بعد واحد لدى هذه الطبقة من الإعلاميين، فإن الحكومة الجيدة تصنع مجتمعاً جيداً، والمجتمع الجيد يصنع حكومة جيدة، فإننا لا نقرأ بين ظهرانينا خطاباً سياسياً يطبق هذه الثنائية بحرفية في التحليل، أو دقة في المعنى. حينما يذهب الإعلام الحكومي إلى تصوير «الدولة» بأنها أعظم الدول التاريخية، وأن «الحكومة» هي حكومة التطوير والإنجازات التاريخية، فإنه لا يراعي لا منطقية أن يصف مجتمع هذه الحكومة بأنه ذلك «المخرب» و«الغوغائي»!، وأن يصف سلسلة عريضة من المؤسسات السياسية المدنية أنها أنموذج «فاشل»!. ما بين الزعم بأن الحكومات هي حكومات «تاريخية»، وأن المجتمعات هي مجرد مجموعة «صعاليك» منطقة تاريخية من الخرف الإعلامي، فلا السياسة من اقتضت هذه المماثلة ولا المجتمعات. هو الإعلام نفسه من يصنع هذا الخرف، ويتبناه، ويروجه. حسناً، إذا كان «السياسي» لا يكون ذاته «الاجتماعي»، وإذا كان الخرف الإعلامي يخلط الأمور ويركب لنا توليفة أساسها باطل، ونتيجتها أكثر بطلانا، قد ينبري لنا سائل ما، ليقول: «أين التعقل في هذا الزعم، وأين تقع منطقة التحليل؟»، فالفصل لا يقتصر على زاوية الحكومات، المنظومات الدينية أيضا تزعم أن المجتمع السيىء تحكمه حكومة سيئة!، وكذلك الشيوعية، هي تتشبث بالتاريخ وحركة المجتمع لتحقق منظومتها السياسية.
أقول، إن ما بين المجتمع الجيد والحكومة الجيدة حوار وتماحك وعلاقات، فالبرلمانات تمثيل «الاجتماعي» نحو «السياسي»، و«الخطب» والبيانات والموازنات هي تمثيل «السياسي» نحو «الاجتماعي». وعليه، فإن فشل إخفاقات البرلمان البحريني «الحالي» على اختلاف المسببات - وهذا مجمع عليه - يعطينا دلالة أننا نعاني من أداء حكومي هزيل.
ما بين «البرلمان الهزيل»، و«الحكومة الجيدة» منطقة من الهذيان، يتضح لنا أن الصحافيين والمحللين حين انتقدوا البرلمان ووصفوه يـ «الضعيف»، فإنهم كانوا يؤكدون أننا امام أداء حكومي «ضعيف»، ولعمري، كان لغير هذا الأمر اعطوا مساحات الكتابة!
هل البرلمان السيئ... دلالة مجتمع سيئ؟
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1256 - الأحد 12 فبراير 2006م الموافق 13 محرم 1427هـ