التقيت السكرتير الأول في السفارة العمانية الأخ أنور أحمد وتعود معرفتي به إلى العام 1996 عندما كنت أعمل في بكين وأمضى الآن أكثر من سنوات عشر في العمل في سفارة بلاده ببكين وهو يجيد اللغة الصينية ودارس لها ومهتم بحضارة الصين وثقافتها وتطورها الإنمائي الاقتصادي. إنه مثال حي للشباب العربي الطموح كما أنه يحب القراءة والاطلاع على تاريخ الأمم وحضارتها الزاهرة ولاسيما الصين. التقيته مساء 16 ديسمبر/ كانون الأول 2005 على عشاء بسيط لكنه حميم وذلك في فندق الهلتون وهو قريب جدا من فندق الشيراتون والذي يطلق عليه الصينيون فندق سور الصين العظيم وكذلك مطعم وملهى هاردروك وميزة فندق هلتون أنه قريب جدا من كثير من السفارات الأجنبية في هذه المنطقة وأقامت سفارة البحرين في عيدها الوطني مرتين خلال عملي ببكين في حقبة التسعينات من القرن العشرين. وذكر لي أنه عاد لتوه من مدينة تيان جين هذه المدينة الساحلية الجميلة التي تربطني بها ذكريات جميلة خلال فترة عملي في بكين. ذكر أنور أنه كان في زيارة لمستشفى اختصاصي في هذه المدينة يؤمه عدد لا بأس به من مواطني سلطنة عمان وكذلك من المملكة العربية السعودية. ذكر أنور أن هذا المستشفى متخصص في زرع الأعضاء للكبد والكلى لأن هؤلاء المرضى العمانيين يعانون من كسل مزمن في الكلى أو في الكبد. وأن هذه الأعضاء تؤخذ عادة من السجناء الصينيين المحكوم عليهم بالإعدام. وأن الأسعار لهذه الأعضاء تتراوح ما بين ثلاثين ألف إلى خمسين ألف دولار للكلية وأكثر من ذلك لاستزراع الكبد، وذكر أنور أن معظم هؤلاء العمانيين المرضى تستجيب أجسامهم لزراعة الكلية أو الكبد ومن دون حدوث مضاعفات خطيرة وانما تحدث آثار جانبية بسيطة وقليلاً ما يلفظها جسم المريض إلا في حالات نادرة تتعلق برفض جهازه المناعي لتقبل هذه الكلية المزروعة. إذا لابد من التوافق بين خلايا المريض المراد استبدال كليته وخلايا الكلية الجديدة.
ويذكر أنور أنه في هذا المستشفى تقنية طبية لا بأس بها يتمتع بها الأطباء الصينيون. ولكن هناك مشكلة قائمة بسبب عدم وجود طاقم من الممرضات المحترفات وهذه معضلة يشتكي منها الأطباء عند القيام باستبدال هذه الأعضاء. وقال إن نسبة 3 في المئة فقط من المرضى العمانيين فشلت أجسامهم في تقبل الكلى المزروعة. كما أن المريض لابد أن يتناول بعض الأدوية لتساعده على تقبل العضو الجديد في جسده. كما أن الكثير من المرضى السعوديين يذهبون أيضا إلى مدينة تيان جين وإلى المستشفى التخصصي نفسه لزرع الأعضاد للكبد والكلى هذا ما أخبرني به الاخوان السعوديان الجلوي الأشقر وهادي القحطاني. وهما دبلوماسيان يعملان في السفارة السعودية وقد دعواني إلى عشاء في مطعم طريق الحرير لأبناء إقليم سنكيان المسلم وتتخلل العشاء رقصات تؤديها فتيات مسلمات من هذا الإقليم إلا أن رقصهن يختلف تماما عن أداء الراقصات الشرقيات كما يرتدين ملابس محتشمة ويؤدين رقصاتهن على وقع طبول مدوية وموسيقى صاخبة. وقد أهداني الصديقان السعوديان كتابا قيما عنوانه حضارة الصين من تأليف محمد بن عبدالرحمن البشر الذي كان سفيراً للمملكة العربية في الصين لمدة ثلاث سنوات خلت العام 2000 وهذا الكتاب سجل وثائقي لحضارة الصين وثقافتها المختلفة واشتمل على تفاصيل وافية عن أسرهم الحاكمة وملوكها وعلى مذاهبها المتعددة من كنفوشية وبوذية وطاوية وما احتوت عليه من ثقافات وفلسفات متباينة. انه ولاشك مرجع مهم لا غنى عنه لكل باحث. وهو. جهد علمي يرصد تاريخ هذه البلاد العظيمة وحضارتها الزاهية الخالدة. ومدينة تيان جين حديثة وكبيرة وعمرها 600 عام وهي ميناء مزدهر منذ العام 1860 انها لؤلؤة بين البحر والبر وهي تقع على ضفاف نهر هاي خي. وأذكر أنني زرت على ضفافه في تلك الفترة ساحة جميلة تحمل اسم الرحالة الإيطالي ماركو بولو. ولهذا النهر روافده الكثيرة التي لها الفضل في ازدهار المدينة وتطورها حضاريا وعمرانيا. وفي هذه المدينة أيضاً جسور كثيرة مشيدة بهياكل فولاذية. وزرت هذه المدينة لأول مرة خلال شهر يناير/ كانون الثاني 1990 بعد وصولي مباشرة إلى بكين بشهور خمسة وقد ذهبت إليها مع بعض أعضاء السفارة بواسطة القطار البطيء، إذ تستغرق رحلته ثلاث ساعات. ولاحظت على الجانبين بيوتا قديمة متداعية أو آيلة للسقوط، إلا أنها أزيلت خلال التسعينات لتحل محلها مساحات خضراء وأشجار عالية يانعة الاخضرار. وجسور هذه المدينة ذات مسحة معمارية فرنسية كما أن بعض شوارعها مبلطة بالطوب الأسود. وتنمو على ضفاف النهر وجداوله زهور زاهية متعددة الألوان تشد الناظرين من السائحين والمقيمين الباحثين عن المتعة والجمال والروعة في هذه المدينة التاريخية. كما ان الدبلوماسيين يتسوقون بها خلال العطلة الأسبوعية ألا وهي يوم (الاحد) وتتوافر فيها الملابس الجيدة والنادرة الموجودة في بكين إذ تخلو متاجرها منها وذلك خلال حقبة الثمانينات وحتى مطلع التسعينات. كما يشترون الأسماك الطازجة والمتوافرة بأنواعها المختلفة بما فيها الربيان واللوبستر. وهناك منطقة صناعية حرة واسعة. وقد زرتها مع مجموعة من الدبلوماسيين وذلك بمساعدة السفارة الإيطالية في العام 1990. زرنا معملا كبيراً ينتج بدلاً ماركة بيار كاردان وسان لوران ويديره شخص ايطالي وانتاجه هذا للتصدير الخارجي. وقال لي هذا الايطالي ان هذه البضاعة من البدل الفاخرة تصدر إلى ايطاليا حيث تزال بطاقة صنع في الصين وتحل محلها بطاقة صناعة ايطالية ثم تصدر إلى الدول الأوروبية والعربية وأميركا على أنها صناعة ايطالية أو فرنسية. كما لاحظت أن بعض إنتاج هذا المصنع تعرض أيضاً في بداية التسعينات في محل فخم بفندق الهوليداي ان أو الليدو كما يطلق عليه الصينيون. إلا أن أسعاره مرتفعة جدا وكأنك تتسوق في باريس أو لندن. وفي مدينة تيان جين هذه يلاحظ الزائر أن عماراتها ذات طراز معماري أوروبي وهي بنايات ضخمة وتعكس الحقبة الاستمعارية البغيضة في وجدان الشعب الصيني وخصوصاً كبار السن منهم.
وفي مطلع 1900 احتلت كل من بريطانيا وأميركا وفرنسا وألمانيا واليابان وروسيا وايطاليا والنمسا وبلجيكا معظم مناطقها التجارية وأصبحت لكل دولة من هذه الدول التسع منطقة تمارس فيها نفوذها وأنشأت عليها عمارات تحمل طرازها المعماري. وانها مناطق مؤجرة لهذه الدول شكلا إلا أنها تمثل استعمارا مبطنا واذلالا للشعب الصيني واساءة للدولة الصينية المركزية في بكين وسيادتها واستقلالها. إلا أن الشعب الصيني واجه هذا الاحتلال البغيض بمقاومة شرسة وقال لي أحد المؤرخين الصينيين ان أمراء الحرب الصينيين ارتبطت مصالحهم بالامتيازات الأجنبية في المناطق المؤجرة.
وان تعاونهم مع المحتل الأجنبي قد زاد من أمد هذا الاحتلال الأوروبي لهذه المدنية الباسلة.
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1255 - السبت 11 فبراير 2006م الموافق 12 محرم 1427هـ