العدد 1254 - الجمعة 10 فبراير 2006م الموافق 11 محرم 1427هـ

«الوثنية» الجديدة و«حرية التحريض» المقدسة!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

عندما ينادى في الآفاق بان العراق يشكل «خطراً داهماً» على الأمن العالمي ويصبح مستباحاً تحت وطأة تكرار كذبة «أسلحة الدمار الشامل» عشرات المرات في اليوم الواحد على أجهزة الإعلام والصحافة «الدولية» الممسوكة بخيط العولمة الأميركية!

وعندما تنعت إيران بـ «العقوق» والخروج على «إجماع المجتمع الدولي» وتلصق بها كل تهم «محور الشر» فقط وفقط لأنها تجرأت على انتهاج طريق رفض التبعية والاصرار على استقلالية القرار والبحث عن طريق للاكتفاء الذاتي حتى في التكنولوجيا النووية بعيداً عن سيطرة وهيمنة واحتكار النادي النووي «العنصري» السلوك في الكيل والميزان!

وعندما تحاصر سورية ويضيق الخناق عليها ويسلط عليها سيف «المجتمع الدولي» تحت وطأة أكذوبة «عدم تعاونها» مع ذلك «المجتمع» الظالم والمجحف الذي يريد منها أن تتهم نفسها وتدين سلوكها وكل سياساتها الممانعة والمقاومة لاملاءات «سوق النخاسة السياسية» التي تبيع وتشتري بضاعة «السيادة والاستقلال والحرية والديمقراطية» المحمولة جواً من وراء الأطلسي إلى «الشرق الأوسط الكبير» والا فإنها «أم الإرهاب» والمسئولة الأولى والأخيرة عن كل ما يجري في لبنان!

وعندما تشتد الضغوط على كل الدول العربية والاسلامية حتى الحليفة والصديقة ويتم مهاجمتها بشكل شبه يومي في الإعلام الغربي الحر! ويتم وصف ملوكها ورؤسائها وامرائها وحكامها ومحكوميها بل وتاريخها وجغرافيتها من قبل صانعي الرأي العام الغربي من سياسيين ومثقفين ونخب سلطة ومعارضة على السواء على امتداد أكثر من ثلاث سنوات وبشكل متواصل، بأنهم جميعاً ليسوا سوى «الراعية للإرهاب العالمي» والمنطقة المسئولة عن «تصدير» الإرهاب ودورة العنف والوحشية التي تهدد «شكل ونمط حياة المجتمع الغربي المتمدن»!

مقابل ان يوصف يومياً وبصورة قصف إعلامي مركز القاتل والجلاد والسفاك والراعي لإرهاب الدولة المنظم وصاحب الرقم القياسي في ترويع الآمنين وترهيبهم والعنصري الاخير المتبقي من عالم ما بعد الفاشية والعنصرية والنازية وآخر ملوك الصهيونية العنصرية «رجل سلام الشجعان» الذي لا يستأهله العرب! ويلقى «الشريك المناسب في الجانب الفلسطيني».

وأخيراً وليس آخراً، وعندما يطالب أحد كبار «القساوسة» وصانعي الرأي العام الغربي في أميركا بقصف الكعبة المشرفة والمدينة المنورة، فيما يطالب عضو في الكونغرس الأميركي بضرورة «إبادة الشعب الإيراني» باعتباره من «جنس الإرهاب»! وتكتب اوريانا فالانشي كتابها المعروف في مهاجمة الإسلام كدين إرهابي! وينطق برلسكوني بما ينطق به بحق الإسلام والمسلمين يصبح من «الطبيعي جداً» ان تتوج صحيفة دنماركية كل تلك «السيرة المشرفة»! من النعوت بالرسوم الكاريكاتورية المهينة للعقل الإنساني والبصر والبصيرة البشرية وليس فقط للرسول الكريم خاتم الانبياء محمد (ص).

انه «الغرب» في اوج عولمته الفكرية والفلسفية والسياسية والامنية والاقتصادية والعسكرية والنفسية التي لم يعد بعدها يعترف باحد آياً كان لا يكون على شاكلته أو على نهجه أو على مضمونه ولا يستأهل بنظره غير السيف أو التهكم! بعد «نهاية التاريخ» و«ضرورة» الاقرار بحتمية «صراع الحضارات» الذي حانت ساعته لا محالة!

وحتى تكتمل المنظومة وتصبح مقبولة لدى الرأى العام المصادر من قبل صناعه المميزين والمتميزين! لابد من استنفار كل المخزون الحداثي مرة واحدة والتهمة الجاهزة في آن: «حرية التعبير والكلمة في إطار النظام الديمقراطي الحر» والمهددة من قبل الرجعيين والمتخلفين والشريرين والإرهابيين! وفي المقدمة منهم رسولهم الأعظم!

هذا برأيي هو جوهر ما يدور حالياً من سجالات ونقاشات ومواجهات بيننا وبينهم حول الرسوم الكاريكاتورية الشهيرة!

فعندما ينتفي «الآخر» في قاموس أي فئة أو تجمع أو منظومة ويصبح استئصاله من المعادلة واللعبة يصبح كل شيء تابع لذلك الآخر مباحاً ومستباحاً حتى المقدسات التي يؤمن بها. ومن أجل تبرير فعل الاستئصال والشطب تصبح الوسيلة أو الاداة أو المقولة التي يتم التحصن بها هي «الدين» والمقدس الوحيد و«الفرقة الناجيه» التي كل ما عداها ضلال في ضلال ويتم بها وباسمها تبرير كل الأعمال والممارسات الهمجية والبربرية وكل الانتهاكات المتصورة فما بالك برسم كاريكاتور «يعبرفيه المرء عن خياله وابداعاته الحرة في عالم ديمقراطي أصيل!».

بالمناسبة هل تعرفون كيف بدأت المسألة؟ كاتب دنماركي قرر ان يؤلف كتاباً نقدياً عن الإسلام والرسول محمد (ص) «لا نعرف بعد بالضبط ماذا ورد أو سيرد فيه» فيدعو نحو 40 رساماً كاريكاتورياً ليساهموا معه في رسم صور الكتاب، فلا يستجيب أحد! بعد ذلك يتبرع رئيس اتحاد الكتاب الدنماركيين بدعوة الرسامين فيستجيب منهم 12 فقط، ثم تبرع الصحيفة المشؤومة بنشر الصور وبالاتفاق مع رئيس الاتحاد على عجل من امرهما، لماذا؟! «لأنهم باتوا يستشعرون بأن الحرية والديمقراطية باتت في خطر»!

سبحان الله والعياذ به من كل شر عندما لا تستقيم الحرية والديمقراطية الا بشتم الآخرين وسبهم وانتهاك حرماتهم واستفزاز مشاعرهم، ومحاولة شطبهم واستئصالهم من المعادلة و«اللعبة الديمقراطية» حتى لو فازوا بها بامتياز!

ثم أي «صنم» هذا الذي تعبدون؟! والذي تصرون على انتحال صفة «حرية التعبير» له والذي لا تستقيم مفاعيله ولا تصل «خيراته»! إلى العالمين الا بالتعالي على «الآخر» والعطف عليه بقناة الحوار طريقاً وجيداً «لاقناعه» بأن التهكم عليه واستفزاز مشاعره والسخرية من عقائده وتشوية صورة نبيه؟ وصورته، ما هو الا «حق طبيعي» لحرية الصحافة والكلمة والممارسة الديمقراطية!

لماذا هذه المكابرة والاصرار على الخطأ بل الخطيئة؟! لماذا تصبح نحن محرضين على الارهاب، بل منبع الارهاب عندما نصرخ على المظالم التي تحيط بنا من كل جانب؟! بينما حرية الاساءة التي تصورونها زوراً وبهتاناً بانها «حرية التعبير» لا تعتبرونها تحريضاً على الكراهية والقتل وتأجيج المشاعر العدائية بين الاديان والطوائف والثقافات والحضارات والقوميات؟!

ثم عندما يتصدى أحد منا لواقعة تاريخية لديكم مجرد واقعة وليست مقولة دينية مقدسة - بالتشكيك تقوم الدنيا ولا تقعد، بل تحبسون مؤرخيكم ومثقفيكم وترمون بهم في غياهب السجون وتمنعونهم من عبادة صنم «حرية التعبير» وفجأة يتوقف كل شيء عند بوابة اكاذيب الصهيونية العالمية؟!

وبعد ذلك كله يقول لك زعماء الدنمارك انهم لا يملكون صلاحية الاعتذار عن فعلة الصحيفة! يقولون لك ليس ثمة من كيل بمكيالين ولا ثمة كيدية ولا تواطؤ ولا «استحمار» للآخرين ولا مؤامرة ولاهم يحزنون!

«وكشفنا عنك غطاءك فبصرك الآن حديد» صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله الصادق الامين والعاقبة لمن اعتبر من تجارب الآخرين

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1254 - الجمعة 10 فبراير 2006م الموافق 11 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً