العدد 1254 - الجمعة 10 فبراير 2006م الموافق 11 محرم 1427هـ

عسكرة الموازنة الأميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

سياسة عسكرة موازنة الدولة الأميركية تعتبر من الاستراتيجيات الثابتة في نهج فريق «المحافظين الجدد». فمنذ وصوله إلى الحكم دأب هذا الفريق على رفع موازنة الدفاع مقابل خفض موازنات الوزارات الأخرى بذريعة مكافحة الإرهاب وحماية أمن المواطن (دافع الضرائب).

حتى الآن ومنذ العام 2001 ارتفعت موازنة الدفاع بنسبة 48 في المئة ويتوقع لها أن تصل في العام المقبل إلى 439,3 مليار دولار أي بزيادة تبلغ نسبتها 6,9 في المئة مقارنة بالعام الماضي. كذلك سترتفع موازنة وزارة الداخلية بنسبة 3,3 في المئة في العام 2007 لتبلغ النفقات على الأمن 33,1 مليار دولار.

هذه الزيادات المتضخمة على الإنفاق العسكري والأمني هي الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة، وتعتبر الأضخم عالمياً وتساوي وحدها عشرات الموازنات العسكرية في العالم بما فيها الدول الكبرى. وتأتي هذه الزيادات في إطار ما تعلنه الإدارة (المهووسة بالحروب) استكمال ملاحقة الإرهاب الدولي ومكافحته. فوزير الدفاع دونالد رامسفيلد توقع أمام الكونغرس في سياق تبريره لمثل هذه الزيادات أن «الحرب طويلة» ولابد من إعادة تكييف الجيش الأميركي ليكون قادراً على مواجهة خصومه.

الاستثمار في الأمن تحول إلى سياسة اقتصادية في عقل الإدارة الأميركية. وهذا النوع من الاستثمار الذي يرفع شعار «رخاء الأميركيين يكمن في أمنهم» يعني تحويل موازنة الدولة إلى وسيلة للإنفاق على الصناعات العسكرية وتطوير أدواتها وتوسيع توظيفاتها. وهذا بدوره يتطلب ذرائع سياسية كافية لاقناع دافع الضرائب بفوائد هذا الإنفاق على حساب رفاهيته وأمنه الاجتماعي والصحي والتربوي والتعليمي، فضلاً عن ضمانات الشيخوخة والتعويضات العائلية ومكافحة الأمية والفقر وحماية البيئة. والذرائع السياسية التي تحتاج إليها الإدارة لإقناع دافع الضرائب بأن الأمن أهم من كل تلك القطاعات المدنية تتمثل في الاستمرار في سياسة التخويف والتحريض على عدو «لا أول له ولا آخر» تطلق عليه واشنطن اسم تنظيم «القاعدة».

لابد إذاً من ذريعة لتبرير عسكرة الموازنة الأميركية واقناع المواطن بضرورة تحويلها من الإنفاق على الخدمات إلى الإنفاق على الحروب. وحتى يصدق دافع الضرائب هذه الذريعة تفتعل الإدارة يومياً الكثير من الأكاذيب لتضخيم قدرات هذا العدو الوهمي والعجيب الغريب في قدراته التي تمتد ولا تنتهي.

مثلاً طلب الرئيس جورج بوش من الكونغرس إضافة 50 مليار دولار لتغطية العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان على 70 ملياراً كان طلبها للعام .2006 وهذا يعني أن النفقات الشهرية للحرب الأميركية في العراق وأفغانستان سترتفع في السنتين الجارية والمقبلة في وقت تطلق مصادر واشنطن المزيد من الأكاذيب عن خطط للانسحاب. فالولايات المتحدة تنفق الآن نحو 6,8 مليارات دولار شهرياً لتغطية عمليات الحرب. وطلب رفع الموازنة العسكرية مترافقاً مع طلب زيادة الإنفاق على الحربين يعني سياسياً أن الولايات المتحدة ليست في وارد التفكير في الانسحاب، كما يقال ويشاع، وانما تخطط للبقاء فترة طويلة أو فترة كافية تضمن خلالها استقرار المنطقة لمصلحتها.

وحتى تضمن واشنطن مصالحها في منطقة استراتيجية وغنية بالنفط ويحتاج إليها الاقتصاد الأميركي لفترة لا تقل عن 25 و30 سنة مقبلة لابد من تخويف دافع الضرائب من خطر إرهابي قادم إليه من وراء البحار ليوافق من جانبه على ضرورة إرسال المزيد من الجيوش إلى الخارج وفتح الكثير من جبهات القتال لمنع هذا الخطر من الانتقال إلى الداخل.

سياسة عسكرة الموازنة تحتاج دائماً إلى ايديولوجيا. وايديولوجية فريق «المحافظين الجدد» تعتمد استراتيجية المواجهة في الخارج بذريعة مكافحة الإرهاب وتصدير الديمقراطية وإصلاح «الشرق الأوسط الكبير» لمنعه من تفريخ وإرسال المزيد من العناصر الإرهابية وتهديد أمن المواطن في عقر داره.

إنها ايديولوجية ساذجة تعتمد على سلسلة أكاذيب وتخترع الأعداء وتضخم المخاطر وترفع من نسبة الأوهام إلى مستوى مرضي... إلا أنها كما يبدو كافية عند الثنائي تشيني (نفط) ورامسفيلد (أسلحة) لاقناع دافع الضرائب بضرورة التضحية برفاهيته وخفض مستوى معيشته وتهديد شيخوخته من أجل تطوير صناعات الأسلحة وضمان تدفق النفط من دون تهديد.

عسكرة الموازنة الأميركية بدأت منذ العام 2001 وارتفعت إلى مستويات قياسية في تاريخ العالم المعاصر. ومع ذلك لايزال فريق «المحافظين الجدد» يدفع الإدارة نحو مواصلة زيادة الإنفاق على موازنة الدفاع في وقت بلغت نسبة عجز خزانة الدولة معدلات غير مسبوقة في التاريخ الأميركي.

هذا النوع من العسكرة لا يبشر بالخير لأنه يخضع الاقتصاد لسياسة الحروب ويحول الحروب إلى سياسة اقتصادية. وهذا ليس جديداً على العالم فقد شهد التاريخ الكثير من التجارب المشابهة ابتدأت كلها بتوسيع دائرة الحروب وانتهت بالكوارث خارجياً وانهيار الاقتصاد داخلياً.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1254 - الجمعة 10 فبراير 2006م الموافق 11 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً