بعيداً عن أساليب الرفض التي اتبعناها تجاه ما قامت به الصحيفة الدنماركية من إساءة لمقام رسول الله (ص)، فإن الناشطين في مجال حقوق الإنسان على المستوى الدولي يواجهون امتحاناً عسيراً.
فما هو واضح من خلال ما جرى، هو أن المجتمع الدولي وضع حدوداً لحرية التعبير واحترم كل الأديان والاثنيات ما عدى المسلمين الذين لم يكونوا مهتمين بحرية التعبير (لأنها مفقودة في بلدانهم)، وأجبروا على القبول باتفاقات حقوق الإنسان ومضامينها رغماً عنهم (لأن مجتمعاتهم مقموعة بصورة عامة)، ولذلك فإن ما حدث من تجاوز للحدود (من وجهة نظر المسلمين) ليس ضمن الأطر الدولية لحقوق الإنسان.
وبحسب التعريف القاموسي فإن حرية الرأي والتعبير هي «الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فني من دون رقابة أو قيود حكومية بشرط ألا تمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية».
على أرض الواقع، فإن هناك حدوداً كثيرة. والأمم المتحدة أصدرت قراراً دولياً في الصيف الماضي «يتجرم» من خلاله أي شخص أو جهة تنكر ما حدث لليهود من حرق على أيدي النازيين في الحرب العالمية الثانية. وعلى هذا الأساس، خرج الرئيس الإيراني ليتحدى ذلك القرار، على رغم أنه تم تمريره داخل الأمم المتحدة من دون أن تعترض أية دولة إسلامية أو غير إسلامية. وفي ألمانيا، تتم معاقبة أي شخص يمجد أدولف هتلر، أو يحقر اليهود، والأمر ذاته يتكرر في أكثر البلدان الاوروبية. وهناك بعض العنصريين يرسمون الصليب المعقوف على مقابر اليهود، وهؤلاء يلاحقهم القانون وتتم معاقبتهم لردعهم، على رغم أن ما يقومون به يدخل (ربما) ضمن حرية التعبير.
وفي بريطانيا، لا يستطيع شخص ما أن ينتقد الشاذين جنسياً، أو يتهمهم بالانحراف (هناك عدد من الوزراء من المثليين)، ويمكن أن يلقى الشخص متاعب جمة لو حاول التعرض للمثليين. أما في أميركا، فإن اي انتقاد للحركة الصهيونية، أو التطرف اليهودي، سينتج عنه رد فعل مباشر لمعاقبة من يتجرأ على ذلك. وحتى مخرج فيلم «فهرنهايت 9/11» مايكل مور شتم الرئيس الأميركي وانتقد أعضاء الكونغرس، لكنه ابتعد كل البعد عن التطرق لـ «اسرائيل» من قريب أو بعيد، على رغم أن فيلمه يتعلق بقضية الشرق الأوسط، والعراق والأسلوب الأميركي في التعامل مع الحوادث. ولا يمكن انتقاد مور في ذلك لأن قوة اللوبي اليهودي في أميركا لا يستهان بها، ولو تعرض لهم بشيء فله الويل والثبور.
ما هو واضح هو أن واضعي الحدود على حرية التعبير يعتبرون إثارة الاحقاد والكراهية بين الاثنيات والاديان تجاوزاً غير مقبول، ويجب ردعه لكي لا يختل السلم المحلي والاقليمي والدولي. ولكننا كمسلمين ليس لنا تأثير على كل ذلك، لأننا كنا ومازلنا بعيدين عن دوائر القرار الدولي التي ترسم القوانين والضوابط وتعطيها صفة «الشرعية الدولية»
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1254 - الجمعة 10 فبراير 2006م الموافق 11 محرم 1427هـ