أكد العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، أن الأمة العربية والإسلامية هي أحوج ما تكون للإصلاح، مؤكداً عدم وجود تناقض في شخصية الإنسان المسلم «المجاهد» بين الإصلاح وبين العمل للوصول إلى السلطة. وإذ ثّمن للإسلاميين وحركة حماس مواقفهم وفوزهم في الانتخابات، أكد أن وصول الإسلاميين للسلطة يؤهّلهم لتقديم صورة مشرقة عن الإسلام في حركتهم السياسية والدبلوماسية.
وإذ أشار إلى أن الإسلاميين محكومون بثوابتهم، أكّد أن ذلك لا يمنع من المرونة السياسية، ومن الأخذ بأسلوب التدرج ومن تحديد الأولويات والانطلاق وفق مبدأ تقديم الأهم على المهم، وعدم الجمود عند بعض المسلمات التي قد لا تكون مسلمات إسلامية في الأصل. وأكد سماحته أن الإدارة الأميركية تنافق في مسألة الديمقراطية، وأن عليها ألا تمارس إرهاباً سياسياً على الفلسطينيين لحساب «إسرائيل»، مشيراً إلى حرب أميركية صهيونية بالمعنى المباشر ضد الإسلام والمواقع الإسلامية من فلسطين إلى إيران، وأن المنطقة في سباق بين السلام والفتنة.
وسئل السيد فضل الله في ندوته الأسبوعية عن دور الحركة الإسلامية بين دعوتها للإصلاح وعما إذا كان هذا يتنافى مع دخولها في السلطة، وخصوصاً في نموذج «حماس» في فلسطين، فأجاب: يمثِّل الإصلاح واحداً من العناوين الرسالية الكبرى التي تحرك الأنبياء لتحقيقها في الواقع الإنساني العام، وللإصلاح في الإسلام مكانته الكبرى وقيمته السامية، إذ ان الأمة التي ينعدم فيها الإصلاح والتجديد محكومٌ عليها بالانهيار الداخلي والسقوط أمام أدنى هزة خارجية. وللإصلاح حركته التي تنطلق على مستويات عدة. فهناك الإصلاح الفكري والديني الذي يستهدف تصحيح المفاهيم الدينية التي يطاولها التحريف والتشويه، ليعمل على إعادتها إلى نقائها وصفائها، وهناك الإصلاح الاجتماعي الذي يعمل على شد أواصر الأمة ونزع كل فتائل التفجير في داخلها، سواء أكانت فتائل طائفية أم حزبية أم عشائرية.وتابع: ولا يبتعد الإصلاح السياسي عن ذلك في الأهمية بالنظر إلى خطورة الفساد السياسي ودوره في شل طاقات الأمة وتعطيل إمكاناتها في النمو والتطور، إضافة إلى قهرها وسلبها إرادتها في التغيير وحريتها في صنع مستقبل أفضل لأجيالها. وكل هذه الجوانب الإسلامية بمستوياتها الدينية والاجتماعية والسياسية أولاها الإسلام أهمية كبيرة وحمّل الأنبياء وكل من يسير على خطاهم مسئولية التغيير في هذه المجالات. قال تعالى في كتابه العزيز على لسان أحد الأنبياء: «إن أُريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله» (هود: 88). وهكذا كان الإصلاح شعاراً للنهضة الحسينية. فقد قال الإمام الحسين (ع): «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص) أريد أن امر بالمعروف وأنهى عن المنكر...». وقال: ونحن عندما نتطلع إلى الواقع المزري الذي تعيشه أمتنا على المستوى الداخلي وعلى مستوى تحكم المستكبرين بها نجدها في أمس الحاجة إلى الإصلاح على مختلف المستويات، حتى لو تطلب الأمر أن نقدم شهداء في مسيرة الإصلاح، كما قدم الإمام الحسين (ع) نفسه كرمز أساسي في مسيرة الإصلاح، عندما رأى سلطة فاسدة وحاكماً غشوماً، فاعتبر نفسه أحق من غيّر وقارع السلطان بهدف تغييره. ومن هنا نحن لا نجد ثمّة تناقضاً في شخصية الإنسان المسلم أو الداعية بين الإصلاح كهدف أسمى يسعى إلى تحقيقه وبين العمل على الوصول إلى السلطة، كما قد يتخيّل البعض، بل إننا نرى أن الحكم هو أحد سبل الإصلاح والتغيير في الواقع، كما نستلهم ذلك من حركة الرسول (ص) والصحابة الطيبين من بعده ومن نهضة الإمام الحسين(ع).
وأضاف: إن المسلم عندما يتطلع إلى السلطة فليس من موقع هوى النفس والرغبة الذاتية، بل على أساس خدمة الناس، وتقديم نموذج جديد في الإدارة والسلطة والحركة السياسية والدبلوماسية لا يعرف الفساد إليه سبيلاً، وليكون هذا النموذج صورة مشرقة عن الإسلام والمسلمين. إن الإسلاميين عندما يصلون إلى السلطة أو الحكم بفعل جهادهم السياسي والفكري، ومن خلال إخلاصهم الذي أوجب التفاف الأمة حولهم، لا بد من أن يبقوا محكومين بالأهداف والثوابت الإسلامية لجهة إحقاق العدل ورفض الظلم والعدوان والدفاع عن المستضعفين والمشردين، لكن ذلك لا يمنع من المرونة السياسية والأخذ بأسلوب التدرج الذي لا يُجهض مشاريعهم الكبرى من خلال تأليب الرأي العام ضدهم، الأمر الذي يتطلب تحديد الأولويات، وأردف: إننا في الوقت الذي نؤكد على الإسلاميين ألا يسقطوا تحت وقع الضغوط الكبيرة التي يواجههم بها العالم عندما يحققون فوزاً صريحاً في هذا الموقع أو ذاك، فإننا ندعوهم إلى تأكيد انفتاحهم على الاخر، وعدم الجمود عند بعض المسلمات التي قد لا تكون مسلمات إسلامية في الأصل، وأن يدخلوا في مشاورات داخلية واسعة حول مختلف الأمور التي تمثل تحديات على مستوى المرحلة أو المستقبل، ثم لينطلقوا بعد ذلك إلى طرح الحوار على مستوى العالم كله... إننا نريد للإسلاميين الذين سلكوا طريق النصر هنا وهناك وخصوصاً في فلسطين المحتلة، أن يدركوا أن نصرهم هذا يمثل البداية، والانتصار الأكبر يتمثل في تماسكهم الداخلي وإدارتهم للعملية السياسية والحوارية مع العالم، وفي حسن إدارتهم للملفات السياسية والأمنية والإصلاحية والاجتماعية، وعليهم أيضاً أن ينفتحوا على الاخر الفلسطيني وألا يستدرجوا إلى الفتنة الداخلية التي يخطط لها الأعداء. ولا بد لهم أن يكونوا أم الولد وأن يفروا من الفتنة والوحول الداخلية إلى فضاء القضية الكبرى التي تمثل قيمة رمزية للعالم الإسلامي برمّته الذي هو معهم اليوم ويتطلع إليهم وإلى حسن إدارتهم للأمور. وخلص إلى القول: ونقول للعالم الذي ينافق في مسألة الديمقراطية، وخصوصاً الإدارة الأميركية ان عليه أن يرضخ للنتائج التي أفرزتها هذه الديمقراطية وألا يمارس عملية إرهاب سياسي لحساب «إسرائيل»، ليضع الإسلاميين الفلسطينيين بين خيارين: إما أن يخرجوا من التزاماتهم وإما أن ينتظروا حرباً اقتصادية وسياسية مستمرة... لأن كل أساليب التهويل والإرهاب هذه سترتدّ على مطلقيها، لأن الذي يواجه هو الشعب الفلسطيني كله، ولأن الذي سيثبت في الساحة هو الشعب نفسه الذي أعطى هذه الثقة عن سابق تصميم وعن معرفة مسبقة بالمخاطر القادمة وعن إرادة حاسمة في مسألة التحدي وردّ التحدي... وختم: إننا نلمح حرباً أميركية صهيونية بالمعنى المباشر على الإسلام كقوة أساسية في العالم وعلى المواقع الإسلامية المناهضة من فلسطين إلى إيران وما فيهما وما بينهما، وعلى كل هذا الامتداد لحركة الإسلام في المنطقة والعالم، إننا نشهد بروزاً للحرب وقرعاً لطبولها وفوضاها، ولكننا نعتقد بأن الوقت الذي كانت فيه أميركا تعتدي ولا يعتدى عليها قد ولّى، لأنها باتت مع «إسرائيل» في مرمى النتائج التي ستترتب على تهديداتها وعدوانها، كما نعتقد أنها ستحسب كل الحسابات قبل أن تدخل بلادنا في دائرة الفوضى الأمنية في مواقع جديدة هنا وهناك... إن المنطقة في سباق بين ما يريده الاستكبار وما تريده حركات وقوى التحرر، وعلينا أن نكسب هذا السباق لمصلحة السلام الذي ننشده في مواجهة الحرب والفتنة التي تسعى إليها أميركا لحساب «إسرائيل»
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1253 - الخميس 09 فبراير 2006م الموافق 10 محرم 1427هـ