العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ

القراءات الخاطئة... ومخاطرها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

خطة الولايات المتحدة في إدارة الملف النووي مع إيران أخذت تزداد وضوحاً بعد موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على نقل الملف إلى مجلس الأمن. فواشنطن بعد إعلان تلك الخطوة ارتفعت معنوياتها واتجهت نحو كشف بعض نواياها العسكرية في حال فشلت الخيارات الأخرى.

الخيارات الأخرى ترفضها طهران حتى الآن وتعتبرها محاولة أميركية للانتقاص من سيادتها وحقها المشروع في تطوير مصادر بديلة للطاقة.

السيناريو بدأت تتوضح معالمه بعد غموض متعمد أخفت خلاله أميركا مشروعها العام القاضي بعزل إيران دولياً واستفزازها سياسياً. فهي مثلاً اعتمدت مناورات دبلوماسية استخدمت خلالها موسكو وبكين لجرجرة طهران نحو الموافقة على اقتراحات وبدائل لم تكن واضحة وتحتاج إلى وقت لبلورتها. كذلك راهنت على تكتيكات الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) لتقطيع الوقت وإظهار إيران وكأنها الطرف الممانع والمسئول عن الفشل في التوصل إلى توافق بهذا الشأن. وأيضاً لم يتردد «البيت الأبيض» في اللعب على تعارضات الوكالة الدولية لتغليب وجهة النظر التي تدعو إلى نقل الملف إلى مجلس الأمن... وهذا ما حصل.

خطة واشنطن إذاً كانت من البداية هي رفع الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن حتى تمارس ضغوطها الدبلوماسية من أجل تدويله. وفي حال نجحت أميركا في إصدار قرار بشأن الملف الإيراني تكون فعلاً قطعت أكثر من منتصف الطريق للوصول إلى الخيار الأخير: الحل العسكري.

في مقابل المناورات الأميركية تبدو إيران في موقع ليس ضعيفاً، فهي تملك الكثير من أوراق القوة على المستويين المبدئي والميداني. فمن الناحية المبدئية يحق لإيران أن تبحث عن مصادر بديلة للطاقة التقليدية، كذلك فهي حتى الآن لاتزال تلتزم بكل تلك المواثيق والتعهدات والبروتوكولات التي وقعتها على رغم الضغوط التي تمارسها واشنطن من خلال الوكالة الدولية. فمثلاً لم تقطع طهران حتى الآن كل الجسور مع الهيئات الدولية ودول مجلس الأمن. كذلك لم تسقط من حساباتها خيارات التفاوض مع بكين وموسكو ودول الترويكا الأوروبية.

ومن الناحية الميدانية تبدو القيادة الإيرانية مستعدة أيضاً لكل الاحتمالات بما فيها الخيار العسكري. الاحتمالات المختلفة لاتزال واردة والمناورات التي تلجأ إليها واشنطن تبدو أنها ليست خافية على القيادة الإيرانية. فطهران تدرك من خلال بعض تصريحات المسئولين خفايا المشروع الأميركي وأهداف «البيت الأبيض» من وراء نقل الملف إلى مجلس الأمن.

هذا على صعيد المناورات السياسية والدبلوماسية المتبادلة بين طهران وواشنطن. أما على صعيد الخيارات الأخرى فإن الرسائل تبدو أقوى وكل طرف يظهر للآخر قدراته العسكرية والميدانية. وبالتالي فإنه ليس خائفاً من كل الاحتمالات.

أميركا مثلاً أظهرت استعدادها لاعتماد الحل العسكري وأعلنت في فترات سابقة، من خلال تسريبات صحافية وتقارير مخابرات، وجود خطط جاهزة لتوجيه ضربات جوية تستخدم فيها طائرات وصواريخ وقنابل حديثة لم تستعملها سابقاً حتى في الحرب الأخيرة على العراق.

مقابل ذلك أظهرت إيران استعدادها للمواجهة دفاعاً عن حقها في تطوير مصادر بديلة للطاقة. فهي مثلاً ردت على قرار الوكالة برفع الملف إلى مجلس الأمن بإلغاء بروتوكول وقف تخصيب اليورانيوم ودعت فرق التفتيش إلى زيارة مراكزها ووقف المراقبة بدءاً من 15 الشهر الجاري. كذلك كشفت عن توصلها إلى تقنية «الانشطار النووي» وهذه تعتبر خطوة مهمة لتطوير السلاح. وأيضاً أعلنت عملها على إنتاج صواريخ متطورة مضادة للطائرات والمروحيات. وكل هذه التصريحات تصب في دائرة واضحة، وهي: إيران مستعدة لكل الاحتمالات وليست خائفة من قوة أميركا.

هناك إذاً خيارات كثيرة ولكن معظم الاحتمالات مفتوحة بقوة على «الحل العسكري». وهذا الحل يمكن استبعاده إذا لم تذهب الأطراف المعنية إلى قراءات خاطئة وتنزلق نحو سياسة تقليل شأن الإمكانات العسكرية التي يمتلكها كل فريق.

القراءات الخاطئة مسألة مهمة وهي أحياناً تدفع القوى المعنية إلى المخاطرة من خلال المبالغة بضعف الخصم وعدم تقدير حجمه الحقيقي ووزنه في مختلف المعادلات التي ترجح في النهاية كفة على أخرى.

أميركا مثلاً تقلل كثيراً من شأن إيران وتتعاطى معها أحياناً وكأنها من الدول العادية التي يمكن تطويعها وإذلالها بسهولة ومن خلال تخويفها بالضغوط الدولية والإرهاب النفسي والتهديد باستخدام القوة العسكرية.

من جانبها أيضاً، تقلل إيران كثيراً من شأن الولايات المتحدة الدبلوماسي والعسكري انطلاقاً من فرضية أن واشنطن تعاني صعوبات في العراق ووضعها ضعيف للغاية إلى درجة أنها لا تستطيع توسيع جبهتها القتالية أو فتح معارك كبيرة في مناطق جديدة.

القراءات الخاطئة من الطرفين تعتبر الآن من السلبيات الكبيرة التي قد تدفع نحو المزيد من المخاطرة أو المبالغة في عدم تقدير موازين القوة وبالتالي الانزلاق نحو مواجهة عسكرية كبرى. وهذا الاحتمال خيار كارثي يرجح أن دول العالم والمنطقة متوافقة على عدم حصوله.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً