العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ

شئون وشجون بحرينية صينية (4)

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

انتهزت وجودي في بكين فذهبت مع بعض الأصدقاء الصينيين إلى الأسواق الشعبية القريبة من السفارة الأميركية وبعض السفارات الأجنبية إنه سوق «الحرامية» كما أطلق عليه بعض الدبلوماسيين هذه التسمية خلال حقبة الثمانينات. وهو قريب من مستودعات الصداقة الصينية الفخمة المعدة أصلا للدبلوماسيين الأجانب لتلبية حاجاتهم من المواد التموينية والبضائع الأخرى كالملابس والمفارش. كما أن هناك تجار الشنطة الصينيين الذين يجوبون السفارات بصورة منتظمة. ويعرضون على أفرادها أصنافا فاخرة أو من دون ذلك من السجاد الحرير والصوف وبأسعار معقولة أو مغرية مقارنة بأسعارها في محلات السجاد الحكومية الرسمية مثل: محلات الصداقة وماركو بولو. كما يذهب كثير من الدبلوماسيين إلى ضواحي بكين لزيارة مصانع يدوية صغيرة للأثاث الصيني التقليدي وللسجاد منتشرة هناك وهذا السجاد يحمل رسوما فارسية أو تركية منقولة عن مثيلاتها الإيرانية. وتكاد تبزها في الجودة والإتقان. ويحرص الدبلوماسيون العرب على اقتنائها أكثر من اقتناء السجاد الصيني الفاخر أيضاً برسرمه وزخارفه مثل التنين وغير ذلك. كما أن هناك مصانع كثيرة أيضاً في ضواحي بكين القريبة تصنع التحف والعاديات الجميلة ذات الزخارف والنقوش الخلابة وزرت أكثر من مصنع منها. كما زرت مصانع البورسلين عدة مرات التي تصنع الفازات الغالية الثمن والمعدة أيضاً خارج الصين. وزرت هذه المصانع خلال فترة التسعينات أثناء عملي الدبلوماسي في الصين. والبضاعة هنا جيدة وتباع بنصف الثمن وهي في الأساس بضائع صينية معدة للتصدير ولكن بها عيوباً بسيطة لا ينتبه إليها الزبون أو المشتري العادي إلا أن أهل الحصافة والدراية من التجار يستطيعون كشف العيوب بسرعة خارقة ويكونون مصدر إزعاج وإقلاق لأصحاب هذه الدكاكين الذين يبحثون عن الكسب السريع. و أذكر أنه في خلال فترة التسعينات من القرن العشرين الماضي وإبان عملي في بكين زارني المرحوم عضو مجلس غرفة تجارة وصناعة البحرين التاجر إبراهيم فقيهي عدة مرات وهو يدير محلات عدة في البحرين تعرض الملابس الفاخرة ذات الماركات العالمية. وفي كل مرة يزور بكين يحرص على تفقد أسواقها ولا سيما مثل هذه الأسواق وأذكر أنني اشتريت أكثر من بلوفر من الحرير بأسعار مناسبة جدا قل ما نجدها في المحلات الكبيرة الحديثة التي بدأت تظهر وتنتشر مع الانفتاح الاقتصادي في الصين، فعلى سبيل المثال لا الحصر مجمع لوفتهانزا الضخم بمحلاته التجارية ومطاعمه الكثيرة التي تقدم الوجبات السريعة بحسب النموذج الأميريكي أو الغربي ومجمع باركسون الضخم وكذلك مجمع فندق الصين العالمي فهو إلى جانب هذا الفندق الضخم، والراقي يلحق به مجمع آخر محلات للملابس الفاخرة والسجاد والبورسلين والتحف وبه مكاتب لشركات الطيران وقاعات فخمة للمؤتمرات، ويقال إن هذا المجمع العملاق قام ببنائه صيني ماليزي وكلف 600 مليون دولار وافتتح في العام .1990 وقام إبراهيم وأنا معه بفحص تلك الملابس المعروضة بدقة إلا أنه سرعان ما يكتشف ما في هذه المعاطف الفاخرة من عيوب تخفى علينا نحن الزبائن واستطاع أن يوقع صاحب المحل في حرج وضيق ما يجعله يعبر عن غضبه وامتعاضه. وقد ظنه أنه يدير مصنعاً للنسيج أو محلاً لبيع مثل هذه المنتوجات ولم يخب ظنه طويلا فكان إبراهيم يملك فعلاً مصنعا لانتاج البنطلونات والقمصان في منطقة سترة وهذه البضائع كانت تصدر إلى أميركا ولاتزال إلا أنها في السنوات الأخيرة عانت متاعب كثيرة فيما يتعلق بتوفير العمالة الأجنبية وكذلك تدني أجور العاملات البحرينيات بهذه المصانع. وأذكر أننا دخلنا متجرا بعرض عباءات سوداء للبيع كالتي تلبسها النساء في الخليج وقال صاحب الدكان إن هذه بقايا بضاعة مصدرة في الأصل إلى دول الخليج وهي مصنوعة في الصين بحسب نماذج يجلبها عادة رجال أعمال من تلك الدول ونقوم بتصنيعها بحسب مواصفاتهم وطلباتهم. وكنت اتطلع في هذه الزيارة لهذه الأسواق أن أجد في محلات بيع لعب الأطفال الدمية الجميلة باربي الشقراء ذات العينين الزروقاوين الواسعتي الأحداق والجسم الممشوق، وكذلك الدمية الشرقية الخجولة الانسة فلة وهي محتشمة، إذ ترتدي العباءة السوداء وتتدثر بها وتستر جسدها البض باستثناء الوجه الجميل المكشوف وكذلك الكفين بحسب متطلبات التقاليد الإسلامية أحببت أن اشتري هاتين الدميتين لابنتنا الجميلة فاطمة الزهراء. ويذكر أن هاتين الدميتين صناعة صينية وهما منتشرتان في أسواق الدول العربية وهناك منافسة شرسة بينهما إلا أن دمية فلة أقل سعراً من باربي وهذا يجعلها أكثر انتشارا ومبيعا كما تلبي التقاليد المحافظة ولكن في إطار موضة أنيقة كلفتة للنظر. صاحب المحل الصيني وعد بإحضار الدميتين في الغد فقلت له، إنني سأكون قد غادرت بكين آنذاك وقال عبر مترجمنا إن الفانوس المصري الجميل يصنع في الصين وقد تغلب على الفانوس المصري التقليدي المصنوع في مصر وكان له قصب السبق نظراً إلى رخص ثمنه وإتقان صنعه وقدرته على المنافسة في عقر داره. وعندما ذهبت مع المستشار في سفارة البحرين في بكين فؤاد درويش لكي أشتري بعض البضائع وكنا بحاجة لاستبدال 1500 دولار بالعملة الصينية الايوان حتى نشتري ما نحتاج من سلع. فوجئنا أننا لا نستطيع أن نستبدل في المحل الكبير أكثر من 500 دولار وكان علينا أن نخرج من المحل ونذهب إلى المصرف المجاور لاستبدال ما نريد من نقود وكان يوم أحد شديد البرودة وبرياحه اللافحة والكالحة. وأدركت بعد ذلك أن هناك رقابة مالية مصرفية صارمة على رغم الانفتاح الاقتصادي الذي نلمسه في شتى جوانب الحياة الصينية. من ناحية أخرى التقيت سفير الكويت فيصل الغيص في بكين في منزله وذلك استجابة لدعوته الكريمة على العشاء. إنه واسع المعرفة والثقافة ولديه إلمام طيب بأكثر من لغة إلى جانب لغته العربية. وهذا العشاء كان مقصورا على أفراد السفارتين الكويتية والبحرينية وحضر سفير البحرين كريم إبراهيم وأفراد سفارة البحرين الدبلوماسيين كان عشاء كريماً وحميماً يعكس عمق العلاقات المتينة والطيبة بين الشعبين الكويتي والبحريني. وقد حفل بألذ الأطباق باستثناء خلوه من سمك الزبيدي الذي تحفل به عادة المائدة الكويتية. وذكرني هذا العشاء بالسفيرين الكويتيين الصديقين السابقين في بكين السفير عبدالرحمن البعيجان والسفير غازي محمد الريس خلال عملي في بكين. وكليهما عمل في البحرين خلال حقبة السبعينات وختم هذا العشاء بأن قام بعض المدعوين بلعب ورق الكوتشينة والزنجفة واللعبة المفضلة هي كوت ستة ولها قواعدها. ولاحظت أن هذه العادة منتشرة بين أفراد دول الخليج بعد كل عشاء وتضفي على الجو العام لهذه المناسبة حالاً من البهجة والانشراح نتيجة للهرج والمرج والصراخ والتعليقات والقفشات من قبل اللاعبين على حلبة الطاولة المستديرة أو على الأرض وهذه اللعبة تسير على ألباب هؤلاء النفر. وأحياناً تقوم الزوجات في مثل هذه المناسبات بلعب الورق مع مثيلاتهن أسوة بأزواجهن. وهذه الظاهرة النسوية لم تكن موجودة بحقبة الخمسينات والستينات في دول الخليج إلا أنها انتشرت مع تغير أنماط الحياة الاجتماعية التي جلبها النفط. وقال أحد الدبلوماسيين ألم أقل لك إنها العولمة قادمة بقوة وزخم شديدين لتغشى كل شيء في جوانب حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً