ليت الاحياء القديمة في المنامة تستمر في بعض احتفاليات العاشوراء بعد ان ينتهي الموسم، ففي هذه الاحياء الجميلة تشاهد الناس وهي تزدحم حول النشاطات النوعية من كل جانب... فهذا هو المرسم الحسيني الذي يحتضن الفنانين، بما في ذلك عدد من المقيمين في البحرين، وهذا هو العرض الالكتروني المتواصل الذي يربط مناطق عدة في موقع يمكن مشاهدته من أي مكان في العالم، وهذه خيمة للوعظ والارشاد، وتلك خيمة لتجميع أكبر عدد من التوقيعات المكتوبة بأسلوب فني لادانة الرسومات الدنماركية الماسة بكرامة الرسول (ص) بهدف ايصالها إلى الامم المتحدة، وهذه خيمة تعرض فيلماً من إنتاج بحريني تم تصويره في منطقة الصخير عن يوم العاشر من المحرم وحرق الخيام بعد استشهاد الامام الحسين (ع)، وهذه مجموعة من الصور القديمة التي تصلح لمتحف دائم، وهذه زاوية لبيع كتب بعدد من اللغات، وتلك مجموعات من الناشطين السياسيين الذين يجمعون توقيعات بشأن قضايا محددة، وتلك هي الجموع الغفيرة تتحدث مع بعضها بعضاً وهي تتناول ما تقدمه الهيئات الحسينية من مأكل ومشرب «على حب الحسين»...
مجموعات تعمل كخلايا نحل في كل جانب، وهي جميعها لن تشاهدها إلا في العاشوراء من كل عام... ولكن ماذا لو تحولت بعض هذه النشاطات إلى دوام ليلي على مدار السنة؟ أعتقد أننا سنحول قلب المنامة القديم إلى أهم منطقة يرتادها الناس من كل جانب، وستنشط الحركة الفنية والثقافية والاقتصادية، وسيكون لدينا مثل ما لدى عدد كبير من الدول التي تحافظ على «الحي القديم»، فمن يزور باريس يحرص على زيارة «الحي اللاتيني» لأن الحي يمثل رمزية مهمة لمن يرتبط بمدينته وتاريخها، وبالتالي يتحول الاحتفاء بتلك الرمزية إلى حياة يومية تنعش الاجواء الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
عاشوراء البحرين هي عاشوراء الابداع أيضاً... فالبحرينيون كانوا يتأثرون بالممارسات والعادات والتقاليد الاحتفالية لهذا الموسم بما يجري في العراق وإيران وغيرهما، أما ما انتجته مواسم عاشوراء البحرين فهو يتفوق على تلك البلدان من عدة جوانب، ولاسيما الاساليب العصرية للتعبير عن المناسبة، ويأتي فن الرسم، والربط الالكتروني، وانتاج المسرحيات والافلام القصيرة على رأس ذلك.
لقد تبنى المسلمون الشيعة عدداً من أساليب احياء عاشوراء في القرن الـ «19»، وهذه الاساليب مستمرة إلى الآن، وبعضها يحتاج إلى تطوير لملاءمة ما يناسب عصرنا الذي يمكن أن ينقل الصورة الأفضل لقضية الامام الحسين. وأعتقد أن البحرين بامكانها أن تلعب دور المجدد لأساليب عاشوراء، ويمكن أن يتم ذلك من خلال مساندة الجهود الرسمية والاهلية، فجمعية المرسم الحسيني ستحرم من موقعها الحالي لأن مالك الأرض سيبدأ في بنائها، ومحافظة العاصمة تستطيع أن توفر مقراً دائماً للمرسم وللمتاحف ولجميع الانشطة الجمالية التي تعطي الصورة الأجمل للبحرين وأهلها... وأملنا أن يبادروا في هذا الامر، لأن البحرين هي المستفيدة أولاً وأخيراً
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ