القدم قريةٌ شماليةٌ صغيرةٌ، لا يخرج منها أيام الانتخابات أكثر من 400 صوت، وقد لا يزيد عدد سكّانها على الألف ومئتي نسمة.
القدم التي لم يزرها وزيرٌ من قبل (كما قال أحدهم)، استقبلت وزيرين السبت الماضي، وزير العمل مجيد العلوي (ابن القرية نفسها)؛ ووزير البلديات والزراعة جمعة الكعبي، الذي عبّر عن فخره لما شاهده من تفاعل أهل القرية ومؤسساتها، بما يعكس الحس الوطني الأصيل ويعزّز مفهوم الشراكة المجتمعية. ووعد بتوفير كل الإمكانيات لتعزيز نجاح الحملة التي ستتبناها قريبا المحافظة الوسطى، ليعيش المواطن حياة كريمة، مشدّدا على ضرورة تضافر جهود الجهات الرسمية والأهلية معا.
بعد الكلمات الترحيبية في خيمةٍ مؤقتةٍ أقيمت للاستقبال، عُرض فيلمٌ توثيقي قصيرٌ عن الحملة، ثم قام الوزيران بجولةٍ راجلةٍ في أنحاء القرية برفقة الأهالي، بدأوها بغرس شتلات في ساحتها، واطلعوا على ما تم إنجازه من جدارياتٍ فنية وقرآنية، وأعمال تشجير ونصب استراحات حجرية وزوايا ألعاب بسيطة للأطفال، فضلا عن صباغة بعض البيوت المتهالكة، وترميم التشقّقات في المسجد الصغير وطلاء جدرانه.
كم كلّف كلّ ذلك؟ سؤالٌ طرحته على رئيس مجلس بلدي الشمالية يوسف البوري مساء الجمعة الماضي، بمجلس عائلة المرحوم عبدالله فخرو بالمحرق، فقال: إن أعمال قرية القدم كلّفت 9 آلاف دينار فقط، وهو مبلغٌ زهيدٌ وتافهٌ إذا ما قُورن بالمبالغ التي تصرف في مشاريع غير مجدية أو علاوات لـ «بعض» مسئولي الهيئات. والحقيقة أنها كانت ستكلّف ثلاثة أضعاف ذلك المبلغ أقلا لو لم تعتمد على العمل التطوعي الحر.
في أثناء الجولة، كنت أبحث عن المشاركين في العمل، لأرى وجوههم وأسمع صوتهم، فهؤلاء هم الجنود المجهولون. وهكذا سرتُ بصحبة ثلاثةٍ من الشباب الواعد، أعمارهم بين العشرين والثلاثين، ومنهم سمعت التفاصيل. العمل يبدأ في الثامنة صباحا حتى الحادية عشرة والنصف، ثم يستمر من الرابعة عصرا حتى أذان المغرب، وفي المساء من الثامنة حتى الحادية والنصف. بعضهم أخذ إجازة من عمله ليتفرّغ للعمل التطوعي طوال اسبوعين، وبعضهم كان يعود من عمله لينضم إلى رفاقه... كلّ ذلك دون مقابل، بينما بعض «فولتيريّة» زمانهم يشترطون الحصول على أسورة لزوجاتهم أو علب شوكولاته لأطفالهم على الأقل لو طُلب منهم عملٌ بالمجان!
طرق القرية بعضها مبلطٌ بالاسفلت، وبعضها بالطوب الأسود الذي بدا جديدا، ولمّا سألت عن تاريخه قيل إنه تم تركيبه منذ سنةٍ تقريبا، وفي السنوات السابقة كلما هطلت زخاتٌ من المطر تحوّلت طرقاتها الترابية إلى مستنقعات، يرتع فيها الأطفال والبعوض.
مثل هذا الشباب موجودٌ في كلّ قريةٍ ومدينةٍ بحرينية، وكلّ ما يحتاج إليه هو توفير الحافز والتشجيع واستنهاض الهمم، وليس إلى برامج تلفزيونية منفّرة، تستفز الرأي العام، تقوم أساسا على الشكوك وسوء الفهم للطرف الآخر، الذي تفترض فيه الخطيئة الأبدية وكأنه من وادي الشياطين، وليس من منطقةٍ مجاورةٍ لا يفصلنا عنها غير شارعٍ عرضه عشرة أمتار.
أحد القائمين على الحملة قال: إنه تلقى اتصالاَ من العلاقات العامة بإحدى الشركات الكبرى، مفاده: لماذا لم تتصلوا بنا؟ وطبعا لو اتصلوا بهم لسخروا من فكرة «الارتقاء بالقرى»... ولكن للنجاح ألفُ أبِّ يدعيه. والحقيقة أن حملة «ارتقاء»، سارت بقوة الدفع الذاتي، ولو انتظرت تفاعل الوزراء أو انتظرت ما تمليه شركات الإعلانات... لمّا رأينا كل هذا التفاعل والتآلف والجمال.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2453 - الأحد 24 مايو 2009م الموافق 29 جمادى الأولى 1430هـ