إعلان ناطق رسمي باسم البيت الأبيض عن تأجيل الرئيس الأميركي باراك أوباما إطلاق تصوراته بشأن السلام في «الشرق الأوسط» خلال زيارته للقاهرة في 4 يونيو/ حزيران المقبل يشير إلى أن واشنطن لاتزال في مرحلة الاستكشاف والاستطلاع ولم تتوصل بعد إلى طور تكوين خريطة طريق نهائية للمبادرة المنتظرة.
الناطق الأميركي نفى أن يكون الرئيس أوباما بصدد إعلان مبادرة بشأن التسوية السلمية مؤكدا أن خطابه سيقتصر على إشارات تتعلق بالعلاقات مع دول المنطقة بقصد توضيح أو تصويب أخطاء سقطت بها الإدارة السابقة وأدت إلى اهتزاز الثقة وتشويه سمعة الولايات المتحدة في دائرة تعتبر مهمة في الاستراتيجية الدولية.
هذا التراجع عن خطوة منتظرة جاء في ضوء ما نقل من معلومات عن النتائج غير الناجحة التي انتهت إليها لقاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في واشنطن. فالمعلومات ركزت على وجود اختلافات بين الطرفين بشأن التسوية وشروطها وما تقتضيه من أولويات في جدول التعامل مع دول المنطقة.
الاختلافات لا تعني أن هناك بداية قطيعة لأن المعلومات الغامضة لم تذهب بعيدا إلى هذا الطور السلبي في رؤية زوايا الصورة وإنما أشارت إلى وجود تقاطعات أظهرت تباينات في قراءة ملف «الشرق الأوسط». وتأخير أوباما خطوة الإعلان عن تصوره للتسوية إلى فترة لاحقة بذريعة استكمال الاتصالات واللقاءات يؤكد وجود خلافات بين الطرفين ولكنها قابلة للتطويع والسيطرة في حال توافرت الظروف المناسبة.
«الانتظار» هو العنوان الرئيسي الذي يمكن اعتماده في المرحلة المقبلة لأنه يشكل مفتاح الدخول إلى مجموعة ملفات معروضة للتفاوض وقابلة للمعالجة بشرط وضوح معالمها. والوضوح يشترط تبلور خريطة موازين القوى في لبنان بعد الانتخابات النيابية في 7 يونيو المقبل. كذلك التعرف على هوية الرئيس الإيراني في دورة الانتخاب التي ستعقد في 12 يونيو المقبل. فالخريطة الانتخابية اللبنانية ليست معزولة في تقاطعاتها عن الفضاءات الرئاسية في إيران باعتبار أن بعض أوراق ملف بلاد الأرز تتداخل في جوانب منها مع صورة الرئيس المقبل في إيران.
إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد يعني أن لغة القصف الأيديولوجي ستأخذ دورتها الزمنية وربما تتجه نحو مزيد من التصعيد العنفي في العلاقات الإقليمية ما سيترك تأثيره السلبي على الاستقطابات الأهلية في لبنان والمنطقة العربية. عدم التجديد أو التمديد لأحمدي نجاد يحمل معه إشارات إيجابية من القيادة السياسية الإيرانية باتجاه المنطقة العربية لأنه يؤشر إلى استعداد لتصحيح علاقات وإعادة تجسير ما انقطع والدخول مجددا في قنوات تعيد بناء الثقة التي اهتزت بين ضفتي الخليج في السنوات الثلاث الأخيرة. وتحسين العلاقات الإيرانية- الخليجية سيكون له موقعه الإيجابي لضبط التوترات الأهلية (المذهبية) التي ارتسمت معالمها المخيفة في العراق ولبنان.
«الانتظار» الأميركي له معنى موضعي لأنه يتصل بأوراق ملفات مترابطة في سلسلة حلقاتها. وتأجيل الإعلان عن خطة أوباما السلمية إلى مرحلة متأخرة قد تأتي بعد الانتخابات النيابية اللبنانية والرئاسية الإيرانية يؤشر إلى وجود جدية في التعامل مع نقاط تشكل قواعد ارتكاز للتصورات الدبلوماسية التي تخطط واشنطن لاعتمادها في الفترة المقبلة. حتى أحمدي نجاد المشهور بقنابله الصوتية طالب الإدارة الأميركية بالانتظار وتأخير بحث الملف النووي (مشروع التخصيب) إلى مرحلة ما بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
دعوة الرئيس الإيراني الولايات المتحدة إلى عدم الاستعجال في طرح التصورات أو عدم التسرع في عقد لقاءات «وجها لوجه» قبل تبلور الصورة السياسية في طهران تتوافق إلى حد بعيد مع توجهات أبدتها الخارجية الأميركية حين طالبت بتأخير «الانفتاح» المدروس وتأجيل «اليد الممدودة» إلى بعد انتخابات الرئاسة في 12 يونيو المقبل. فالخارجية التي استعدت سابقا للتلاقي مع طهران في أسرع فرصة عادت وتراجعت عن دعوتها المشروطة حتى تكون الصورة قد تبلورت في ضوء نتائج الانتخابين في إيران ولبنان.
أهمية لبنان في المعادلة الإقليمية تعود في بعض وجوهها إلى نمو ذاك التأثير الإيراني على التوازنات المحلية سواء على مستوى تعديل ميزان القوة الانتخابية بالتصويت والاقتراع أو على مستوى التوازن السلبي الذي أنتجته حرب صيف 2006. والنفوذ الإيراني في بلاد الأرز بات من النقاط المحسوبة في السياسة الأميركية وخصوصا تلك الأوراق المتصلة بالملف الفلسطيني. وتأثير طهران على موضوع التسوية الإقليمية أخذ يشكل نقطة تجاذب تجاوزت الساحة اللبنانية لتطاول الإطار الفلسطيني من جانب بوابة غزة وارتباطها الجغرافي والحيوي بأمن مصر وموقعها ودورها.
التأجيل إذا ليس مقتصرا على ذاك الاختلاف المضبوط بين أوباما ونتانياهو. وتأخير الإعلان عن خطة الرئيس الأميركي وتصوراته بشأن التسوية لا يختصر بموضوع الملف النووي مقابل مشروع الدولتين باعتبار أن الاختلاف على الأولويتين ليس منعزلا عن التأثير الإيراني على البوابتين الإقليميتين في غزة ولبنان.
ورقة غزة مهمة في القراءة الأميركية كذلك ورقة لبنان من حيث تأثير الساحتين على خطة التسوية وتصورات أوباما بشأن الأولويات. وبسبب نمو التأثير الإيراني في الورقتين بات على واشنطن إدخال نتائج المفاوضات بين «حماس» و«فتح» في القاهرة كذلك نتائج الانتخابات اللبنانية في حسابات التوازن الإقليمي ودور الأطراف في ترتيب العلاقات وهندسة خريطة «الشرق الأوسط».
سياسة الربط بين الملفات التي يبدو أن أوباما قد أخذ بها بناء على توصيات تقرير بيكر- هاملتون تشكل زاوية مهمة في رؤية الدبلوماسية الأميركية الجديدة وأسلوب تعاملها مع قضايا المنطقة. وتأخير إعلان أوباما تصوره عن التسوية في «الشرق الأوسط» يتجاوز في إطاره الجغرافي الساحة الفلسطينية لكونه ينتظر ما ستسفر عنه الانتخابات النيابية اللبنانية والرئاسية الإيرانية من نتائج. فالنتائج بحد ذاتها تعطي إشارات عن توجهات تعكس صراع إرادات وهي في مجموعها ترجح برنامج أولويات يتراوح بين وجهة أوباما التي ترى أن قبول حل الدولتين يسبق الملف النووي وبين وجهة نتانياهو التي تصر على أن معالجة موضوع مشروع التخصيب يسبق التسوية على أساس الدولتين.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2453 - الأحد 24 مايو 2009م الموافق 29 جمادى الأولى 1430هـ