للأكراد حضورهم الإسلامي الوافر، ولاندماجهم في الإطار السياسي العربي تاريخ قار، لكن، ما معنى أن يناضل الأكراد طيلة السنوات الماضية للحصول على ما هو أشبه بـ «الدولة المفصولة» عن العراق فيما سمي سياسياً بالفيدرالية العراقية. «الدارفوريون» كما يذهب الكاتب اللبناني «حازم صاغية» أخذوا الاتجاه ذاته نحو تكوين ظاهرة «اكراد سودانيين»، وهم على ما يبدو، جادون في هذا الخيار، وهو شبه الانفصال السياسي عن السودان. «البربر» في الجزائر، يطالبون بحضور لغتهم الأم، كما أن حراكهم الثقافي النشط ملحوظ، أخر اعتراضاتهم على «عربة الجزائر» هو اسم البلاد نفسه، يقول أحدهم «ما معنى الجزائر»؟ هل نقطن بلدا معنى أسمه «مجموع جزر!».
ثمة نزوح نحو مزيد من التقسيم، والاستقلالية الشرعية، الغريب أن القوميين مازالوا مصرين على إيجاد تخريجة ما للبقاء في الأفق، ولعل الأفق قصير، حد تلعثم الرئيس العراقي «طالباني» في إنتاج جملة سياسية واحدة باللغة العربية السليمة!.
في مقابل الإصرار على البقاء في التاريخ والحلم، يفرز الواقع خلاف المأمول، فأجد انه لابد للقومية العربية أن تحاول تصغير بعض طموحاتها الكبرى، على أن الحلم «مشروع» فلكل منا أن يعيش الحلم، شرط أن لا نزيد معاناة احد ما، على شاكلة ما عاناه الذين ذاقوا ويلات المد الناصري، إبان عنجهية السلاح، تارة باسم العروبة والوحدة، وباسم المقاومة، وصوت المعركة تارة أخرى! إلا أن الأمر لابد أن يكون له منحى إيجابي في المطلق، فمهما كانت هذه القومية وأبجدياتها السياسية فإنها تنطلق من متحدات اجتماعية محددة، هو الدين، اللغة، العرق، أو أي شيء يبيح تحديد «المجموعة» الأشرف والأكمل والأقدر على حمل مهمة التاريخ التي لم تنطلق بعد. في هذه اللحظات التاريخية فلتنعم القومية العربية بتقطيع زوائدها، والمسرح كبير، وأي عملية بتر ستجد تخريجة سياسية أو ثقافية مقنعة!.
الأكراد أولاً وأخيراً «ليسوا عرباً»، والدارفوريون «مسيحيون»، والبربر لا يحتاجون أكثر من أصولهم «البربرية» للاقتناع بضرورة خروجهم من المنظومة العربية. وما بين المزيد من التفكك للحلم القومي، والمزيد من التبرير، يقف البعض، ومنهم أنا، في موقع «الشماتة»، إلا أن لهذه الشماتة تخريجتها «المحفوظة» عند القوميين لساعتها المناسبة. لا أنكر عجزي عن فهم ظاهرة ما، وعلى رغم محاولاتي المستميتة في نبش شتى تاريخ النظم القومية الإنسانية، فقد استعصى عليّ إيجاد تخريجة مقنعة لهذه الظاهرة، ألا تلاحظون أن أكثر دعاة القومية العربية اليوم هم «عرب مستعربة»، وأن أصولهم «ليست عربية»..!!
من وجهة نظر قومية عربية بحتة، اعتقد أن الأسماء «المستعربة» داخل القوميين العرب هي متهمة بأنها متآمرة على المشروع القومي العربي، ولعلها مؤامرة كبرى من أجل النيل من الفكر القومي، لأن الغرب يدرك كما تذهب الأفلام والمسلسلات العربية أن خطورة العرب تكمن في تجمعهم، لذلك كانت الخطة الإستكبارية هي سرقة المشروع القومي من العرب وإلصاقه بعملاء للغرب يدعون العروبة... وهذه هي التقنية الحديثة وما تفعل.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1251 - الثلثاء 07 فبراير 2006م الموافق 08 محرم 1427هـ