العدد 1251 - الثلثاء 07 فبراير 2006م الموافق 08 محرم 1427هـ

الحل العسكري... وخيارات أخرى

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت التصريحات الرسمية التي تدعو إلى استخدام «الخيار العسكري» ضد إيران تتصاعد وتزداد وضوحاً. سابقاً كانت التصريحات غامضة بهذا الشأن وتميل إلى تمييع الموضوع حتى لا تحرج القوى الدولية «الصديقة» لطهران.

الآن - كما يبدو - بدأ الاتجاه العام يسير في خط تصاعدي. ولم يعد الكلام عن «الخيار العسكري» مستبعداً أو من ضمن خيارات أخرى أو الحل الأخير في حال فشلت المقترحات المعروضة على القيادات الإيرانية. المقترحات الأخرى كما هو معروف رفضتها طهران أو وافقت على بعضها جزئياً ومن ضمن شروط تتصل معظمها بالسيادة والحق في امتلاك التكنولوجيا السلمية مقابل استعدادها لعدم اختراق الاتفاقات والبروتوكلات الموقعة مع وكالة الطاقة الذرية.

أميركا رفضت الملاحظات الإيرانية واعتبرت ممانعة طهران أو عدم قبولها لتلك الاقتراحات الروسية أو الصينية أو الدولية محاولة منها للتهرب من المسئولية، متهمة القيادة الإيرانية بانها تخفي وراء برنامجها السلمي خطة تطوير أسلحة دمار. إيران أيضاً رفضت الاتهامات وأكدت سلمية برنامجها النووي والتزامها بكل التعهدات التي كررتها في كل مناسبة. كذلك أوضحت موقفها من الاقتراحات الروسية، مشيرة إلى انها عامة وغامضة وتحتاج إلى وقت لدراستها وتبيان معالمها.

بين هذا وذاك وتلك وهذه، تدحرج الملف الإيراني وانتقل بأسلوب لا يخلو من النفاق الاميركي إلى مجلس الأمن. فالملف الآن بات على قاب قوسين من التدويل ولم يعد بقدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحكم به بعد انقضاء المهلة الزمنية.

المسألة إذاً مسألة وقت. وبات الملف النووي ينتظر الآن سلسلة إجراءات بعضها مهم وبعضها شكلي... إلا أن المسار العام يسير وفق خطة اميركية مبرمجة تدفع رويداً بالملف لتدويله في مجلس الأمن.

هذه المستجدات - كما يبدو - رفعت من معنويات الإدارة الأميركية ودفعت مثلاً وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد إلى التصريح بوضوح عن احتمال اعتماد الخيار العسكري.

كلام رامسفيلد ليس جديداً، إذ سبق وافصحت تصريحات سابقة عن وجود مثل هذه النية المبيتة. إلا أن رامسفيلد كان الأوضح في كل ما صدر سابقاً من أحاديث مبطنة تناولت موضوع هذا الملف.

المسار إذاً يتجه إلى المزيد من التصعيد نحو الخيار العسكري، وهو ينتظر إجراءات تحتاجها واشنطن لذر الرماد في العيون والتعمية على خطة مرسومة سلفاً. صحيح ان الإدارة في وضع صعب دولياً بسبب تلك الارباكات التي أحدثها مشروع تقويض «الشرق الأوسط الكبير». وصحيح انها لا تستطيع التحرك كما تريد ومن دون توفير غطاء دولي يبرر لها أفعالها وخطواتها. إلا انها تعلمت بعض الدروس من تجربتها المنفردة في العراق ولا تريد تكرار تلك الأخطاء التي دفعتها نحو عزلة دولية بسبب رفضها وانقلابها على كل الاعتراضات التي صدرت من دول العالم.

الآن تتجه الولايات المتحدة نحو استخدام مجموعة أصدقاء وحلفاء للضغط على الوكالة الدولية بذريعة ان المشروع الإيراني يهدد أمن أوروبا ومصالح دول العالم الصناعية في دائرة الخليج. كذلك بدأت باستخدام أصدقاء إيران للتخويف والتهويل بقصد ارباك قيادة طهران وإضعافها أمام تلك الضغوط التي تتعرض لها من كل جهة وصوب. كذلك تتعمد إدارة «البيت الأبيض» اظهار نفسها في موقع الطرف المستعد للتفاوض والقبول بما تقترحه الدول الأخرى بشرط تخلي إيران عن مشروعها النووي والالتزام بما تعهدت به. كل هذه التكتيكات استخدمتها واشنطن وعمدت إلى توظيفها في إطار الوكالة تمهيداً لنقل الملف إلى مجلس الأمن... وهذا ما نجحت به أخيراً بعد مناورات اتسمت بالرياء والخبث والتلاعب بالألفاظ لتغييب فكرة «الخيار العسكري» حتى لا تستفز الأطراف وتتنبه إلى الخطة المرسومة.

الآن تنتظر واشنطن عقبات وهي تعمل على تذليلها حتى لا تتحول إلى عثرات تقطع الطريق أمام ما تسميه «الخيار الأخير». فهناك عقبة تقرير رئيس الوكالة الدولية الذي يتوقع نشره في 6 مارس/ آذار المقبل. وهناك مفاوضات اللحظات الأخيرة التي تتحرك موسكو في إطارها بناء على تطوير أو توضيح مقترحاتها السابقة. وهناك أيضاً موقف إيران من كل ما يجري حولها وضدها من تحركات تتصل بالملف النووي وتعامل طهران مع تفرعاته.

هذه العقبات تعمل واشنطن على تطويعها حتى لا تتحول إلى مطبات تحبط خطة تدويل الملف الإيراني في مجلس الأمن. فواشنطن تراهن كثيراً على فشل مفاوضات اللحظات الأخيرة مع موسكو حتى يأتي تقرير محمد البرادعي لمصلحتها... وبعد ذلك تستفيد منه لمناقشة الملف في مجلس الأمن ومن ثم توريط دول المجلس في مشروع قرار تستغله لاحقاً لتمرير خطتها المرسومة.

المسألة مسألة وقت. والوقت ينتظر تلك الإجراءات الروتينية. ومن الآن وحتى يجتمع مجلس الأمن لمناقشة الملف النووي، سيسمع العالم المزيد من التصريحات الأميركية المتعلقة بعدم استبعاد «الحل العسكري» ضد إيران

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1251 - الثلثاء 07 فبراير 2006م الموافق 08 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً