العدد 1250 - الإثنين 06 فبراير 2006م الموافق 07 محرم 1427هـ

الجمهورية الإسلامية والجوار العربي

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

مع مهلة الشهر الممنوحة للجمهورية الإيرانية من وكالة الطاقة الدولية لمراجعة موقفها، يستحيل تقييم حركة الجمهورية الإسلامية في عهدها الجديد تجاه الأجندة الدولية، فذلك يحتاج إلى وقفة متأملة وبعيدة عن الشخصانية، فمحمود أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية لا يتحرك من فراغ، وليس تياره بأقلية أيضا في إيران، وربما خارجها، فمن الخطأ القول إن هذه فترة تاريخية يمكن أن تمضي من دون صعاب. أن حشد الجماهير في العالم الثالث وإطعامها شعارات يغنيها عن التفكير في حياتها اليومية، هو أمر مقصود بحد ذاته، إلا أن طهران تسعى إلى ما هو أكثر من ذلك.

إيران يبدو أنها تحاول الوصول إلى ما يسمى اليوم في العلاقات الدولية بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة، وهو توازن يعني الحصول في نهاية الأمر على التقنية النووية المتقدمة، لأنها بذلك تستطيع أن تقف أمام القوة النووية الإسرائيلية، وتمنع التدخل الخارجي في شئونها.

ذلك لب الصراع الدائر اليوم في منطقة الشرق الأوسط والتفاصيل كثيرة تكمل الصورة.

فترة السيد خاتمي يسميها البعض من أنصار التشدد الجدد أنها كانت فترة (ثورة مضادة) أي أن جماعة خاتمي بنعومة ملمس سياساتهم تجاه الغرب، كانوا يحاولون تفريغ الثورة الإيرانية من أهم ما قامت من أجله، وهو نصرة الضعفاء أو المستضعفين، وأعظم المستضعفين طبعاً هم الفلسطينيون وفقراء إيران، وهو الأمر الذي أراد محمود أحمدي نجاد أن يؤكده منذ اللحظة الأولى لتسلمه السلطة، أولاً بالظهور بالمظهر المتواضع في السلوك وفي العيش، وهو مظهر لا يعتقد كثيرون انه مصطنع، بل هو ما يؤمن به الرئيس ومعظم طاقمه ومناصريه، وثانيهما في الاستمرار في بناء القوة الرادعة لنصرة القوى الضعيفة.

أنه الرئيس الإيراني وهو يحتضن بقوة سور قبر السيدة زينب في دمشق أوحى لكثيرين عن معتقدات الرئيس وما يمثله، فهو أول رئيس جمهورية مدني، بعد سلسلة من رؤساء الجمهورية من رجال الدين المسيسين، أما تصريحاته العلنية حول (المحرقة اليهودية) والتشكيك فيها أو الإعلان أن الغرب هو تجمع لقوى ضعيفة، من ضمن مجموعة من التصريحات اللافتة، ليس فيه من المناورة السياسية أية شبهة، انه إيمان عميق وطريقة في التفكير، يحسن النظر إليها بعمق وتحليل آثارها المرتقبة. إنها سياسة فارقت الاعتدال الرفسنجاني أو الخاتمي.

تبقى أدوات التوازن الأخرى، وهي كثيرة، فلم يكن الحديث عن (الهلال الشيعي) الذي صرح به ملك الأردن الملك عبدالله الثاني بخاف عن التحرك الإيراني، فإيران وبمساعدة غير مباشرة من أميركا حصدت أكثر الرؤوس يناعة، وحصلت على أكثر من جائزة بسبب التدخل الأميركي، فهي أولاً أصبح لها موضع قدم بارز وارتكاز في أفغانستان، وعلينا أن نتذكر أن اللغة الفارسية، هي لغة التواصل المشتركة بين اللغات والأعراق المختلفة في أفغانستان، مما مكن للثقافة والنفوذ الإيراني أن يصبح لها موطئ قدم هناك، أما ثانياً فهي الجائزة الكبرى إذ حصلت إيران على ما لم تكن تحلم به أبان نزاعها مع نظام بغداد السابق، فأصبح لها اليوم قول مقبول، بل ووجود محسوس ورأي نافذ في العراق، تستطيع أن توسع رقعته في ضوء الاختلافات العرقية والمذهبية والسياسية العميقة لدى العراقيين، وتُحسن بذلك شروط وجودها هناك.

التحالف الإيراني مع دمشق ومن بعده حزب الله في لبنان لا يحتاج إلى إثبات، في الوقت الذي تحتاج دمشق إلى أصدقاء خُلص للخروج من الضغوط المتصاعدة مفاعيلها بأقل الأضرار، واستمرار ضمان أدوات ضغط معقولة ومؤثرة في لبنان في يدها، وهي جميعا، أي هذه العناصر، تنتهي مفاتيحها في طهران، من دون أن تخسر طهران شيئاً يذكر، غير الدعم المادي المطلوب والضروري لتسيير عجلة الممانعة.

فدمشق تحتاج طهران أكثر من احتياج الأخيرة لها، لذلك فان قدرات دمشق على المناورة أصبحت متقلصة إلى حد بعيد، كما زادت مساحة طهران التفاوضية في الإقليم ككل مع وصول حماس إلى السلطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة إذ أصبحت الأوراق السياسية لدى طهران أكثر.

الجدار السميك الذي يفصل إيران عن أية مغامرة غربية أو أميركية أو حتى إسرائيلية، هو جدار عربي ممتد من العراق مروراً بدمشق ومنتهياً في غزة، وعلى عكس ما توقع دنس روس في مقال له نشر منذ فترة توقع فيه أن الوقت لن يطول حيث يدخل رئيس وزراء إسرائيلي على الرئيس بوش ويقول له، هل تأذن لنا السيد الرئيس بضرب المفاعلات الذرية الإيرانية، على عكس هذا التوقع فان أية مغامرة من هذا النوع سيكون ثمنها فادحاً، خصوصاً في الجدار العربي.

القنبلة الموعودة في طهران هي ليست قنبلة إيرانية، كما أصبحت القنبلة الباكستانية باكستانية بحتة، بل كثير من العرب يراهنون على أنها قنبلة إسلامية، أو على وجه التحديد، قنبلة إيرانية عربية (ثورية) أن كان هذا التوصيف دقيقاً.

توظيف المقدس عملية سائرة في المنطقة، فحتى القاهرة التي تركت التشيع منذ مئات السنين، تعود إليها الجذوة من جديد، ومن منطلق سياسي قبل أن يكون مذهبياً، فأصبح التشيع مذهباً سياسياً له علاقة بواقع الأمر في المنطقة التي تراكمت فيها السلبيات، بعد أن كان فقط مذهبا من المذاهب الإسلامية.

إلا أن مأزق التيار الإيراني المحافظ، كونه محافظا إلى درجة المثالية، وإلى درجة الحلم بتعميم الجمهورية الإسلامية في المنطقة في الوقت الذي تزداد الشعوب الإيرانية حرماناً من جهود التنمية المرجوة، وهذا يقود المنطقة إلى تأخير الشفاء من التعصب، كما أن حروب الخارج، عادة ما تحرم الداخل من تنمية إنسانية.

ما هو غير ظاهر أو غير فعال في التكوين الحالي هو غياب رباطة جأش الصف العربي، عن طريق أخذ المبادرة لتقديم حلول عقلانية للمشكلات العالقة، فلا العرب قدموا تصورا لما يمكن أن يحدث في العراق في المستقبل، وعلى أي ضفاف سترسو السفينة العراقية، غير المؤتمر اليتيم الذي عقد في القاهرة، وقد فوجئت بما نقله لي احد الأصدقاء العرب الفاعلين في الترتيب لذلك المؤتمر، بأن الكثير من الأعضاء العراقيين الذين حضروا المؤتمر لم يكن يعرف بعضهم بعضاً، ولم يتقابلوا وجها لوجه قبل الاجتماع!

المفقود في التوليفة رباطة الجأش العربية التي لم تتطور ليتخذ عرب المشرق خصوصا، وحتى القريبين من الخطر في الخليج، تجاه الحركة شديدة التعقيد وفي قلبها احتمال القنبلة المتوقعة (الإيرانية/ الإسلامية) غير تصريح معترض صدر من خلال كواليس مؤتمر القمة الخليجية الأخير في ديسمبر العام الماضي في ابوظبي.

ما يزيد الطين بلة، كما يقول العرب، هو الشبق الذي يتصف به المحافظون الجدد الذين امتدوا من واشنطن إلى باريس، والذين لا يرون في المنطقة بشرا أكثر مما يروا مصالح مرسلة على رأسها تأمين «إسرائيل» وتأمين النفط.

في هذه الأجواء المفتقدة للتسامح، فان القوى الغريزية هي التي ستطلق من عقالها وتوجه في الأشهر القليلة المقبلة مسارات السياسة في الشرق الأوسط، و ذلك يبشر بسنة شديدة الاضطراب، فالغرائز عندما تفلت خصوصاً في السياسة تبشر بكارثة.

كاتب كويتي

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1250 - الإثنين 06 فبراير 2006م الموافق 07 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً