تذهب أدق التقديرات إلى أن ليلة العاشر من المحرم، تشهد تجمعاً شعبياً كبيراً، في حدود 160 ألف مواطن، أي ربع سكان البحرين تقريباً.
في هذه الليلة، تستعيد العاصمة البحرينية وجهها بعد أن طغى عليها طوفان الأجانب من مختلف الجنسيات. أهل المنامة الذين هجروها إلى الضواحي والمناطق الأكثر هدوءًا والأقل ازدحاماً، يعودون إليها في مثل هذا الموسم من كل عام. إضافة إلى العائدين، تزحف أعدادٌ أكبر إليها من مختلف مناطق وقرى البحرين، في ليلةٍ تبدأ بخطبةٍ مركزيةٍ، تتلوها مجالس الخطباء المحليين والضيوف، ثم تبدأ المواكب تطوف الشوارع في قلب المنامة حتى أذان الفجر.
هؤلاء كلهم يفهمون التاريخ الحقيقي كما وقع، وليس كما يحاول «بعض الدعاة المفبركين» تزييفه، بالدفاع عن طاغيةٍ عاش في دمشق قبل 1366 عاماً، وأراد من شعوب المنطقة العربية كلها أن تبايعه على أنهم عبيد يقبّلون حذاءه. وهو الأمر الذي من رفضه الحسين (ع)، حفيد رسول الله الأكرم (ص)، ونهض ليصحّح هذا الاعوجاج في مسيرة الأمة.
مثل هذه القضية واضحةٌ حتى للأطفال الذين يخرجون في مواكب خاصة بهم منذ أول ليلة من محرم كل عام، ومع ذلك فإنها غامضة على عقول بعض «دعاة القرن الحادي والعشرين»، الذين يخضعون حركة الحسين العالمية الآفاق، الإنسانية الأهداف، إلى مقاييس سياسة الخضوع للاستبداد، فالحسين ما كان يجب أن يخرج، وإذا خرج، لم يكن من المفروض أن يصطحب معه النسوة، وإذا... وإذا... وهكذا ينصّب بعض الأقزام أنفسهم منظّرين وموجّهين لسيد شباب أهل الجنة في حركته التاريخية التصحيحية الكبرى.
عندما تقرأ لهؤلاء أو تراهم على فضائية، تستشف كميةً ضخمةً من الادعاء والغرور تحت غترة وعقال كلٍّ منهم. ستعييك الحالة وأنت تحاول أن تجد لديهم فكراً سليماً أو منطقاً مستقيماً، وستكشف بالمقابل «داء الغرور» الذي يهلك صاحبه، كما أهلك «إبليس» من قبلهم وأورده النار وبئس الورد المورود.
الانصاف والعدل والاتزان في الفكر، كلها تقتضي أن يحكم المرء على نفسه كما يحكم على الآخرين من حيث احتمال ان يكونوا على حق كما هو على حق، أما هذه الفئة النابذة المنبوذة، فانها تنطلق من مسلّمةٍ تقول ان الجنة محجوزة لها وحدها، فـ «أنا وطائفتي في الجنة والطوائف الأخرى حتماً في النار»!
عندما يتكلم روّاد هذا الاتجاه الاستبدادي، فانهم يتكلمون وكأنهم واقفون على جبل، يرون البشر الآخرين صغاراً، ضالين منحرفين، والناس تراهم أيضاً صغاراً، وضالين أيضاً ومنحرفين، والإكثار من الكلام لا يستر لهم عورة عند الناس. تأمّل في هذه العبارة: «ويزيد ليس بصحابي، وتوفي ونسأل الله أن يرحمه وعامة المسلمين»!
الشاعر الشريف الرضي (رحمه الله)، له بيتٌ مؤثرٌ، ينم عن معرفة عميقة بالنفس البشرية، وعاطفةٍ صادقةٍ وحبٍّ حقيقيٍّ لرسول الله (ص)، إذ يقول:
لو رسول الله يحيا بعده جلس اليوم عليه للعزا
أمّا هؤلاء الدعاة «المغرورون»... فيترحّمون على قاتل حبيبه وحفيده وريحانته في الدنيا... ألا بئس ما يز
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1250 - الإثنين 06 فبراير 2006م الموافق 07 محرم 1427هـ