لا يبالغ القائلون بأن مهنة الصحافة هي مهنة المتاعب والمصاعب، هي مهنة العمل الذي لا ينتهي مهما أعطيته من جهد ووقت، فكلما أنجزت مهمة رأيت خلفها طابورا من المهمات يحتاج إلى إنجاز، تماما كالبحر الذي لا يقلل من مائه الاغتراف.

كل ذلك العناء يتحول إلى لذة فريدة المذاق عندما تحقق المادة الصحافية هدفها، وتولد النتيجة من رحم التعب الذي لا يهدأ والعناء الذي لا ينتهي. عندما كتبنا عن فاطمة المصعوقة بالكهرباء كنا نخبئ في كل حرف إصرارا عجيبا بأن يتغير واقع هذه الأسرة، وعندما أخذت الضمائر تتحرك والاتصالات تتوالى كنا نحسد انفسنا على ذلك الشعور الذي تملكنا، لأننا نجحنا في إيصال رسالة أسرة دفعت ابنتها المصروعة ثمنا من اهتمام المسئولين بمعاناتها. الشعور بأداء الواجب لا يمكن أن يضاهيه شعور في الحياة، هكذا كنا نقول ونحن نستقبل اتصالات من تفاعلوا مع مأساة أسرة فاطمة التي مضت، ولكن ذلك الشعور كان ممزوجا بتساؤل: هل أسرة فاطمة الساكنة في قرية أبو العيش في سترة هي الأسرة الوحيدة التي تعيش في مثل هذه الظروف ؟ وهل ينتظر المسئولون والمعنيون أن تموت من كل أسرة فقيرة فتاة في ربيعها الثالث والعشرين حتى يستنفروا جهودهم لتدارك ما يمكن تداركه قبل أن تحصل النكبة والمصيبة؟

نعتقد أن مئات الأسر تعيش في وضع كالوضع الذي تعيشه أسرة فاطمة، وليست هذه الأسرة الوحيدة التي ذوب الفقر أسلاكها الكهربائية، إلا أن عيون المسئولين مغلقة حتى تفتحها فاجعة مثل فاجعة فاطمة