هذه الأيام من لديه المال أقرب من الكمال. فهو وسيم وحكيم وذو صوت غنائي جميل. ويقال إن المال يغير الناس ويغير الأحوال. وهو ما يعزز ويفرق بين النفوس. لكن لا فائدة من أن نقول المال صديق أو عدو. فالمال لا يعرف من يملكه ولا قادر على التفاهم مع مستخدميه. المال هو المال والمقصود هنا هو أن النقود لا يمكنها أن تلام على ما يفعله الناس.
عندما نرى بأن هناك 3 مليارات شخص يكافحون من أجل البقاء على أقل من دولارين في اليوم. أو أن 15 مليون طفل يموتون جوعاً كل عام، نتسرع بلوم المال والرأسمالية. لكن لماذا نلوم مجرد ورق أو ذبذبات إلكترونية لديها قيمة قانونية وحتى ليس ملتزمة بقيمة حقيقية مثل الذهب؟ من المهم أن نعلم أن العالم، وخصوصاً بعد انتهاء احتضان اتفاق «بريتون وودز» في السبعينات. بدأ يعمل على شكل افتراضي أكثر مما كان عليه من قبل. وفي خضم هذه الزوبعة من النظريات والتطبيقات الاقتصادية مازلنا نسلك طريقاً لا نعلم مدى صدقيته من الجانب الإنساني و في نطاق التاريخ البشري.
لا بأس، فالكثير يحاولون بقدر الإمكان الإصلاح و تغيير مجرى الحياة للكثير من البؤساء والمعدومين على كوكبنا الصغير هذا. فهم عاملون في التيار الاقتصادي السياسي وعبر المؤسسات التطوعية والخيرية يحاولون وضع الحلول الفعالة لمعالجة كل شيء، من الفقر إلى المجاعة ومن مشكلات الكوارث الطبيعية إلى الكوارث البشرية.
لكن من فترة إلى أخرى يجدر تذكير الناس وخصوصاً المتمكنين منهم بالعالم المتواجد خارج البنايات الشاهقة والعروض الأولية والاستثمارات الضخمة. لا شك في أن الكثير مما يحصل اليوم في عالم المال والأعمال لديه أثر إيجابي على ارتقاء المستوى المعيشي للكثير من الناس وخصوصاً أجيال المستقبل. لكن ماذا عن اليوم؟ ماذا عن أولئك الذين يعيشون في عزلة اقتصادية، يعيشون كل يوم على حد، لا يخططون للمستقبل لأن ما يهمهم هو البقاء خلال الـ 24 ساعة المقبلة؟
هؤلاء موجودون في البحرين كما هم موجودون في إفريقيا والولايات المتحدة. لكن لن تجدهم في قنوات الفيديو كليب. لن تتبرع لهم عبر إرسال الرسائل القصيرة إلى هذه المحطات. بل ستجدهم خارج نطاق عملك ووقت ترفيهك، خارج حياتك ولكن ليس خارج عالمك، عالم تشاركه مع 6 مليارات شخص آخر من مختلف الطبقات والقدرات.
حبذا لو كرسنا بعض الوقت للتعرف على من هم أقل منا حظاً، ونفعل ولو حتى أبسط الأشياء لمساعدتهم. التبرعات للجمعيات الخيرية شيء جيد، ولكن ما هو أفضل هو أن تتبرع بوقتك وتتعرف عن قرب على من بالفعل يحتاجون إلى مساعدتك، لأن في نهاية الأمر لا يمكنك مساعدة الأفراد أو الاستثمار في مستقبلهم ومستقبل بلدك إلا وجهاً لوجه.
العدد 1249 - الأحد 05 فبراير 2006م الموافق 06 محرم 1427هـ