قراءة حوادث التاريخ لا تقبل العبث ولا السفطسة ولا التلاعب بالألفاظ، فكيف إذا كانت زلزالاً من حجم واقعة كربلاء؟ ففي جانب من القراءة الموضوعية لـ «كربلاء»، يقف المرء أمام نصوص تاريخية موثقة تعود إلى تلك الفترة المظلمة من تاريخ صعود «الامبراطورية» الأموية، بعد أن تحوّل حكم الشورى إلى «ملكٍ عضوض»، بتعبير المؤرخين المسلمين.
النصوص الأولى نقرأها في بيانات الثورة، التي أطلقها الحسين (ع)، في تفسير حركته ضد الحاكم الأموي الطائش يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فهو لم يخرج أشراً ولا بطراً، ولا ظالماً ولا مفسداً، وانما خرج لطلب الإصلاح في الأمة، وقال قولته الشهيرة أمام مروان بن الحكم: «وعلى الإسلام السلام إذا ابتليت الاُمة براعٍ مثل يزيد».
ولمزيد من الإيضاح، يصفه في مناسبةٍ أخرى بأنه «شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يُبايع مثله»، نصوص تلتقي على رسم صورة محددة ليزيد، ولا يحسب مسلمٌ حقيقي أن الحسين يتكلم عن عاطفةٍ أو هوى، بعد أن شهد له الصادق الأمين (ص) بأنه «سيّد شباب أهل الجنة»، وزكاه بالمنزلة الرفيعة: «أحب اللهُ من أحبّ حسيناً».
فأنت أمام نصوصٍ تاريخيةٍ متواترةٍ لدى المؤرخين القدامى «المعتمدين»، فإذا كان هناك بعض «البرابرة» و«المتشكّكين» الذين يكذبون محمداً (ص) في أحاديثه، ولا يأخذون بتزكيته للحسين، وبالنتيجة إدانة قاتله، فإن هناك نصوصاً أخرى تدين يزيد، وتلتقي تماماً مع صورته التي رسمها الحسين، أوردها المؤرخون على ألسنة أعضاء وفد المدينة، حين عادوا من دمشق، وهم يقولون: «قدمنا من رجل ليس له دين، يشرب الخمر ويضرب بالطنابير، وتعزف عنده القيان (الراقصات)، ويلعب بالكلاب، ويسمر عنده اللصوص». فالصورة نفسها يكررها معاصرو يزيد. بل إن رجلاً صالحاً مثل عبدالله (ابن غسيل الملائكة)، قال: «جئتكم من عند رجلٍ لو لم أجد إلاّ بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم»، فكان مصيره القتل هو وأبناؤه.
وإذا كان «البرابرة» لا يصدّقون محمداً (ص)، ولا يصدقون أهل المدينة المعاصرين ليزيد، فربما يقنعهم ابن عبد ربه الذي قال عن يزيد إنه: «صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب، وغلب على أصحابه وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي وأظهر الناس شرب الشراب».
فأنت أمام النصوص التاريخية، لا تملك أن تتفلسف على العالمين، وتدّعي أن يزيد يختلف فيه علماء المسلمين. شريعة الله تأبي هذه «الخرابيط»، فالقاتل جزاؤه جهنم خالداً فيها بنص القرآن الكريم، فكيف إذا كان قاتل حفيد الرسول دون جرم ولا جريرة!
لقد ابتليت هذه الأمة في أولياتها بحاكمٍ فاسقٍ مثل يزيد، وفي أخرياتها بـ «طبول فارغة» كل بضاعتهم هراء، يردون على محمدٍ أحكامه... أولئك هم «الدعاة الهرّارون»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1249 - الأحد 05 فبراير 2006م الموافق 06 محرم 1427هـ