يثير محرك البحث على الإنترنت غوغل (هُُهٌم) الكثير من الجدل في صفوف المتابعين لأخبار شركات الإنترنت العملاقة، بقدر ما يثير من حوافز ونزعات تنافسية لدى شركات تعمل في الحقل ذاته مثل ياهو وميكروسوفت. بدأ ذلك عندما أعلنت غوغل في نهاية العام الماضي عن عزمها على إطلاق خدمة جديدة تمكن المستخدمين من البحث عن تسجيلات الفيديو وبرامج التلفزيون عبر الإنترنت وشرائها. وقد أعلن ذلك، الشريك المؤسس للشركة المتخصصة في خدمات البحث عبر الإنترنت لاري بيج.
وأخذت غوغل بذلك قصب السبق في مجال تطبيق فكرة بيع ملفات الفيديو عبر الإنترنت، وكانت شركة «أبل» رائدة هذه الفكرة بمتجرها الإلكتروني الذي يحمل عنوان «آي تونز». وتجاوزت غوغل بتلك الخطوة شركات أخرى مثل «مايكروسوفت» و«ياهو»، اللتين أنفقتا عشرات الملايين من الدولارات لتوفير خدمات الفيديو عبر الإنترنت.
وبموجب ذلك ستضع غوغل تحت تصرف زوارها نحو ثلاثة آلاف مادة للتأجير أو للتحميل ثم العرض عبر برنامج جديد من «غوغل» لتشغيل ملفات الفيديو. وفي نطاق هذه الخدمة، أبرمت «غوغل» صفقة مع شبكة «سي بي إس» لتقديم بعض حلقاتها التلفزيونية الشهيرة مثل «تحقيق في مسرح الجريمة Crime Scene Investigation» في الولايات المتحدة نظير 1,99 دولار.
وكانت شركة «أبل» أول من أقدم على خطوة الاتجاه نحو تحميل ملفات الفيديو من الإنترنت نظير أجر وذلك عندما طرحت مشغل آي بود للفيديو، وعرضت مواد من شبكات «إيه بي سي»، و«إن بي سي» وغيرها، على موقع متجر «آي تونز» لبيع ملفات الفيديو عبر الإنترنت.
وكانت مايكروسوفت قد نحت هذا المنحى عندما كشفت عن صفقة مع شركة «سكاي» لعرض محتويات خاصة بهذه الشبكة الفضائية البريطانية عبر برامج تشغيل ويندوز.
وفي الاتجاه ذاته، أعلنت غوغل عن استعدادات تقوم بها لنشر محتويات خمس مكتبات لأهم المؤسسات التعليمية في العالم، بتقنية رقمية. ومن شأن هذه العملية وضع صفحات الكتب الموجودة في مكتبات جامعات مشهورة في متناول الجميع للبحث فيها وقراءتها على الإنترنت. ويتضمن المشروع كل محتويات مكتبات جامعتي ميشيجان وستانفورد، فضلا عن أرشيف جامعتي هارفرد وأكسفورد، والمكتبة العامة في نيويورك.
وقالت غوغل إن صفحات الكتب المنشورة لن تتضمن إعلانات تجارية، لكنها توصل إلكترونيا بموقع شركة أمازون لبيع الكتب. وعن هذا الموضوع، قالت مديرة قسم إدارة الإنتاج في غوغل، سوزان يويتشيكي: «إن الهدف من المشروع هو توفير الثروة الهائلة من المعلومات على الإنترنت».
كما سيتم ربط الموقع بالمكتبات العمومية تمّكن الناس من استعارة الكتب إلكترونيا. ولن يحصل غوغل على أي ثمن من أجل أداء هذه الخدمة. وستستغرق عملية نسخ الأوراق رقميا لمكتبة جامعة ميشيجان وحدها، التي تحتوي على سبعة ملايين كتاب، ست سنوات.
هذه الخدمات التي انفردت بها غوغل ميزتها عن محركات بحث أخرى مثل ياهو، وحققت لها أرباحا خيالية على امتداد العشرين شهرا الماضية، خصوصاً إذا اخذنا في الحسبان أنها شركة فتية لا يتجاوز عمرها الثماني سنوات عندما أطلقها شابان هما سرجي بن وري بيج.
لقد قفزت مبيعات غوغل خلال العام 2005 إلى الضعف لتصل إلى 6 مليارات دولار، وبلغت أرباحها ثلاثة أضعاف بقيمة وصلت إلى 1,6 مليار دولار. ووصل سعر السهم فيها إلى 400 دولار.
هذه الحال الغوغلية، إن صح القول، دفع «مجلة أعمال 2,0» (Business 2.0) إلى عقد مايشبه الاستفتاء جمعت فيه عددا من العاملين في غوغل ومعهم نخبة من الخبراء في مجالات تقنية المعلومات والاقتصاد الرقمي من أمثال راي كوزويل وستيفن وولفورم وطلبت منهم بناء سيناريوهات المسارات التي يمكن ان تتبعها غوغل نحو مستقبلها المنظور والبعيدة المدى.
كانت حصيلة ذلك أربع سيناريوهات تمتد من العام 2025 وحتى العام 2105. أي ما هي الهيئة التي ستكون عليها غوغل بعد 100 عام من اليوم. حصيلة ذلك الاستفتاء كانت أربع مراحل: في الثلاث الاولى تتربع غوغل على عرش احتكاري يسيطر على الإعلام والإنترنت والبحث العلمي، لتصل إلى القمة تهوي بعدها إلى القاع إذ تتلاشى وتموت.
وقد اعطت المجلة تصورا تفصيليا لسيناريوهات بحسب امتداداتها الزمنية، ويمكن إيجازها على النحو الآتي:
مرحلة 2025، غوغل هي الإعلام: هذه الرؤية تحاول ان ترسم معالم غوغل في نهاية الربع الأول من هذا القرن، حينها يرى هذا السيناريو أن غوغل ستوفر خدمات ناضجة ومتقدمة عن طريق الهاتف المحمول والتلفزيون إلى خدمات الأوراق الإلكترونية التي ستكون شمسها قد بزغت حينها.
مرحلة 2015، غوغل هي الإنترنت: هذا التصور يضع غوغل في مقدمة من يوفرون خدمات الواي فاي (Wi-fi) المجانية. وفي هذه المرحلة تتوقع المجلة أن تتحول المصطلحات لصالح غوغل، كأن نقول دعنا نستخدم غوغل بدلا من القول لنستخدم الإنترنت. إذ ستسود، إلى حد التطابق، خدمات غوغل تلك الخدمات المتوافرة على الإنترنت حينها. وتتربع غوغل على عرش الإنترنت من دون أي منافس.
مرحلة 2020، غوغل في عداد الأموات: رؤية متشائمة ترى أن غوغل ستقع فريسة سهلة في أحضان شركات عملاقة مثل مايكروسوفت. حينها ستكون البذرة التي زرعتها غوغل في 2005 مع شركات مثل أميركا أن لاين بدأت تثقل محرك البحث وترهق خدماته لصالح بوابات أخرى مثل إم إس إن.
هذه الرؤية التي تقع تاريخيا بين مرحلتين تأخذ في الحسبان كل عناصر التنافس التي ستدخل بها الشركات الأخرى السوق وستحقق من خلالها الحضور وجني الأرباح. وتتوقع تلك الرؤية أن تكون شركة مايكروسوفت في مقدمة صفوف تلك الشركات التي ستشهد اضمحلال غوغل.
مرحلة 2105، غوغل من الأصنام: يعيد هذا التصور الأمجاد لمحرك البحث غوغل إذ سيتناول المؤرخون الحديث عن أمجاد غوغل خلال القرن الماضي (الواحد والعشرين)، ويذكرون محاسنها والإنجازات العظيمة التي حققتها، وعناصر المنافسة التي أدرجتها لبضائع ومنتجات وخدمات الاقتصاد الرقمي التي كانت ولاتزال في مراحلها الجنينية، وكانت غوغل تتقدم الصفوف من دون اي منافس.
بقي أن نعرف أن غوغل هي من رفض طلب حكومة الولايات المتحدة إعطائها معلومات عن مستخدمي خدماتها، وهي أيضا من وفر للصين حزاماً واقياً يحمي المواطن الصيني من المواد الخلاعية المتوافرة على الإنترنت، وهي أيضا من ساهم في الإفراج عن الصحافي الاسترالي جون مارتينكوس الذي وافق خاطفوه على إطلاق سراحه بعد أن تأكدوا من أنه لا يعمل لحساب المخابرات المركزية الأميركية، وأنه ليس مقاولاً أميركيا. بعد عملية بحث على الإنترنت من خلال محرك البحث غوغل.
تلك كانت محاولات استقرائية استخلصتها مجلة أعمال 2,0 خلال ندوة على شكل استبيان ومقابلات أجرتها مع مجموعة من الخبراء والمستشارين.
ربما من المبكر التكهن بمستقبل محرك البحث غوغل، وخصوصاً ان كل سيناريو منها يحمل في طياته الكثير من المتغيرات والثوابت التي بحاجة إلى المزيد من التحقق من مدى دقتها. لكن المهم في الأمر أن غوغل، وكما جاء على لسان مؤسسيها، سرجي برن ولاري بيج قد أخذ هذا الاستفتاء على مأخذ الجد، وبدأ قراءة تفصيلية لكل من تلك السيناريوهات على حدة.
ويشار إلى أن شركات أخرى بدأت تحذو حذو غوغل وأخذت تستعين ببعض الخبرات في مجال الدراسات المستقبلية لتحديد المسار الذي من المتوقع أن تأخذه تلك
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1249 - الأحد 05 فبراير 2006م الموافق 06 محرم 1427هـ