بعد مرور أربع سنوات على خطوات الانفراج الأمني والانفراج السياسي النسبي، الأمر الذي جعل الجميع على وجه التقريب يعمل في وضح النهار، وبعد قيام الجمعيات السياسية بمختلف أطيافها ومن ضمنها ما تم تصنيفها بأنها جمعيات التيار الوطني الديمقراطي، التي هي في واقع الحال فيها الشيء الكثير من ماضيها عندما كانت تعمل في الإطار السري، بعد مضي كل هذا الوقت مازالت الأسئلة التي طرحت في بداية الانفتاح وربما قبل ذلك بشأن مستقبل التيار الوطني الديمقراطي هي نفسها ولم تتم الإجابة عليها من قبل المعنيين بمستقبل هذا التيار. كل الأطراف تتحدث عن وحدة التيار الوطني الديمقراطي كضرورة وطنية وتاريخية، وفي الوقت نفسه نجد الكثيرين منهم سواء بوعي أو من دون وعي يعملون ضد ما يدعون إليه في خطاباتهم وأدبياتهم. فإذا سلمنا جدلاً بأن جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) وجمعية المنبر التقدمي الديمقراطي هما عمودان رئيسيان من أعمدة هذه الخيمة، يحق لنا أن نسأل القائمين على هاتين الجمعيتين والمنتمين إليهما، هل تدعو برامجهما إلى ضرورة تقارب مكونات التيار الوطني الديمقراطي؟ هل لديهما برامج عملية يمكن أن تساهم في هذا التقارب؟ هل يرون أن هناك ثمة ضرورة وطنية تحتم عليهما التقارب والعمل المشترك؟ هل جرت حوارات جادة وصادقة بينهما طوال السنوات الأربع الماضية؟ هل حددت هاتان الجمعيتان القواسم المشتركة بينهما؟ هل تحاورتا وتجادلتا كما يتحاور ويتجادل الرفاق مع بعضهم بعضاً بشأن ما يختلفون عليه؟ أليس من الديمقراطية أن توجد اختلافات مع ضرورة احترام كل طرف للآخر من دون تخوين أو تسقيط؟ للأسف ليس هذا هو ما يجري، بل يكون العكس هو الذي يحدث على صعيد الواقع!
لماذا العزوف وإلى متى؟ القطاع الواسع ممن يحسبون أنفسهم على التيار الوطني الديمقراطي، ومنهم من كان منتمياً إلى الجبهات السرية، ظل عازفاً عن الانخراط التنظيمي في هاتين الجمعيتين، بل العكس وجدنا أن البعض ممن انخرط في صفوفهما إما منقطعاً عن المساهمة أو حتى الحضور، أو قد انفرط عقده، وكل هؤلاء إذا ناقشتهم وحاورتهم عن هذا العزوف والابتعاد يبدون أسباباً قد تكون متقاربة. من المهم أن نقول إن الكثيرين منهم يرون وجود ضرورة وطنية وتاريخية لوحدة مكونات هذا التيار، وهم عازفون عن الانخراط في الجمعيات التي تمثله، لأنهم لا يريدون الانخراط في جمعيات لا يجدون فيها (حسبما يظهر لهم) العزم والعمل الصادق والنضج الكافي الذي يحقق وحدة هذا التيار، بل يجدون فيها عكس ما يتمنونه ويطمحون إليه. من المؤسف أن تلك الجمعيات لم تسع إلى محاورة العازفين حتى تتبين أسبابهم وفهم رؤاهم، وكأن الأمر لا يعنيها، بل وجدناها ترفض الحوار، وأحياناً تعد به ولا تفي بوعدها، ففي الوقت الذي تطالب السلطة بالحوار معها، نراها تعيق أو ترفض محاورة القريبين منها! الحوار في مفهومها هو ملء استمارة العضوية، شيء مؤسف!
نأمل أن يتمكن هؤلاء العازفون ومعهم الكثيرون من الموجودين في تلك الجمعيات من تشكيل تيار ضاغط وفعال للدفع بخطوات إيجابية وصحية في سبيل تحقيق الضرورة الوطنية والتاريخية المتمثلة في وحدة هذا التيار. جميعنا نتحمل هذه المسئولية وهي أمانة وطنية في أعناقنا، وحتى ينتهي العزوف سيظل المخلصون يأملون ويأملون إلى أن يتحقق الأمل ونقف على السكة الصحيحة، لترسيخ قيم الديمقراطية والتحديث يشيد عليها مجتمع بحرين المستقبل
العدد 1248 - السبت 04 فبراير 2006م الموافق 05 محرم 1427هـ