كان اختيار اسم ملائم لهذه الصفحة من أكثر مراحل إعدادها إجهاداً وصعوبة. إنها صفحة تهتم بالمرأة أساساً، قضاياها، مشكلاتها، أفكارها ومساهماتها في المجتمع، ويبدو الأساس سهلاً وبسيطاً للغاية كقاعدة لاختيار اسم ملائم، إلا أنه لم يكن كذلك.
كان الهدف هو اختيار لفظ يعبر عن المرأة، من دون أن يمسها تماماً، يقترب منها، من دون أن يبعدها عن المجتمع تماماً، يتحدث عنها، من دون أن يؤطرها في إطار أنثوي تماماً.
كان البحث جارياً «بنشاط» عن مفردة تحمل معاني شتى، وتقول ما يمكن أن تقوله مفردات شتى، من دون أن تقوله فعلاً. مفردة تقول إن المرأة وطن بأسره، بكل ما فيه من شجون، وأفراح، وإنجازات وإخفاقات، وطموحات وخيبات أمل. مفردة تحمل نساء البحرين جميعهن في كف، وتحمل رجال البحرين جميعهم في كف آخر، وترفعهما معاً، لتقول بقوة إنهما شريكان متعادلان في صنع وطن، وأنهما معاً ذراعان في جسد واحد، تمييز أي منهما - سلباً أو إيجاباً - يخل بمعطيات أي وطن.
من هنا جاءت «جهينة» لتعطينا «الخبر اليقين»، وتلقي الضوء قليلاً على معضلتنا الصغيرة في صنع مفردة ضيعتها الكلمات. جاءت «جهينة» بعد مراحل عدة من الاختيار، والانتقاء، والتفكير العميق. جاءت «جهينة» لتقول إن ما يهم المرأة هو ما يهم المجتمع، وإن صفحة تخصص لشئون المرأة ليست بالضرورة مؤطرة بإطار أنثوي يتجاهل الرجل واهتماماته. جاءت جهينة لتقول إن المرأة مخلوق لا يتطلب استدرار تعاطف معين، وبوصفها عضواً فاعلاً في المجتمع يمكنها أن تخطئ وتحاسب على خطئها، ويمكنها أيضاً أن تحسن العمل، فتكافأ وتجازى.
و«جهينة» لفظ يحمل أبعاداً تقترب في تناقضها من المعاني التي تنتهجها هذه الصفحة، وتقترب أيضاً من تلك المفاهيم المتناقضة التي وضعت على مر التاريخ تعريفات مختلفة لدور المرأة في المجتمع.
فللغرابة، «جهينة» المؤنثة لفظاً، لا ترمز إلى امرأة، بل إلى رجل. وتعود هذه المعلومة إلى الحكاية التاريخية التي تروى عن المثل المتعارف عليه «وعند جهينة الخبر اليقين». ومفاد الحكاية أن حصين الغطفاني خرج مع رجل من جهينة اسمه الأخنس بن كعب في مهمة مشتركة تعاهدا على إنجازها، ولأسباب يطول شرحها غدر أخو جهينة برفيقه الغطفاني فقتله وطفق عائدا، فمر بقوم بينهم أخت الحصين المقتول صخرة بنت عمرو وهي تسائل الركبان عن أخيها ولا تعلم أن الجهني هو قاتله، غير أن القاتل لم يأبه بسؤالها ومضى وهو ينشد ساخرا:
كصخرة إذ تساءل في مراح
وفي جرم وعلمهما ظنون
تسائل كل ركب عن حصين
وعند جهينة الخبر اليقين
من هنا جاء المثل العربي الشهير. فعندما تغيب الحقيقة عن طالبيها، ويكون علمها محصوراً بغائب أو مجهول، نتوقع دوماً أن تكون هناك «جهينة» لتعطينا «خبرها اليقين»، لكننا ربما لا نعرف جهينة، ولا لماذا وثقنا في خبرها واعتبرناه يقيناً، كل ما نعرفه أننا نريد أن نثق في هذه «الجهينة» لأنها تعرف الحقيقة التي غابت عن غالبية الناس وكثر طالبوها.
من هنا أردنا لهذه الصفحة أن تكون «جهينتكم» التي تثقون بأخبارها، كما أردنا لها أن تحمل تأنيث اللفظ وتذكير المعنى في موضوعاتها، فربما استطاعت أن تقترب قليلاً من «جهينات» أخر، رجالاً ونساءً، يؤمنون جميعاً بمخلوق اسمه «المرأة».
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1248 - السبت 04 فبراير 2006م الموافق 05 محرم 1427هـ