الحرب الثقافية التي بدأتها مجموعات عنصرية شريرة ضد الإسلام والمسلمين أخذت تنتشر وتمتد من دولة أوروبية إلى أخرى تحت عنوان «الحق في إبداء الرأي» أو «حرية التفكير». هذه الحرب الثقافية ليست بعيدة عن السياسة. ويمكن رؤية الكثير من الجوانب السياسية في حال وضعت المشكلة المفتعلة في إطارها الزمني.
التوقيت مهم لقراءة الخلفيات الايديولوجية التي تقف وراء شعارات «الحرية» و«الديمقراطية» وهي في مجموعها مجرد قنابل دخانية لتغطية المعنى المقصود من إهانة مليار وربع المليار من المسلمين واحتقارهم وانتهاك مقدساتهم.
المسألة إذاً ليست «الحق في ابداء الرأي» و«حرية التفكير». فهذه المسألة لا خلاف عليها. الخلاف أين تقف الحرية؟ وماذا تعني حرية الآخر في النهاية؟ وما هي حدود الحق؟ وهل الحقوق تعني انتهاك مصالح الآخر ومعتقداته خدمة لجهات وهيئات تحرك بعض الصحافيين بالمال والاغراءات؟
الموضوع إذاً لا علاقة له بالحرية وحق الاختلاف. فهذا الحقل لا اختلاف عليه. الاختلاف له صلة بالاحترام ومن لا يحترم الآخر لا يحترم نفسه. ومن لا يقدر مشاعر الآخر لا إحساس له. ومن يحتقر الآخر يحتقر نفسه. ومن يهين حرية الآخر لا يؤمن أصلاً بالحرية. فكل الكلام عن الحرية والحق مردود لأن المسألة تتجاوز هذا الحقل وتتصل بنطاق آخر يتعلق بالإهانة والاحتقار وقلة الأدب وقلة الاحترام وعدم الاكتراث بمشاعر الآخر. ومن لا يحترم مشاعر الآخر لا كرامة له لأنه يعتبر الحرية ملكية خاصة تعطيه الحق في قتل كل من يختلف معه في اللون أو الثقافة أو الجنس أو الدين. فالحرية من دون احترام لحرية الآخر تفقد معناها الإنساني المشترك.
الصحف التي نشرت الرسومات المسيئة للنبي (ص) في الدنمارك وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفي أي بلد هي مجموعة من الحقراء تغطي حقدها وعنصريتها وتفاهاتها تحت مسميات «الديمقراطية» و«الليبرالية». ومثل هذه المجموعات المريضة نفسياً وثقافياً وايديولوجياً تحاول استغلال الاضطرابات السياسية بين الولايات المتحدة وأوروبا وبعض دول العالم من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى، لاثارة المزيد من الحساسيات من خلال تغذية النعرات والاحقاد بجرعة ثقافية تبرر فكرة الكراهية ونبذ الآخر.
توقيت نشر الكاريكاتور له علاقة بالسياسة وليس بعيداً جداً عن أجواء الكراهية التي رعتها ونظمتها واشاعتها مافيات (لوبيات) الأسلحة والنفط بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فهذه الأجواء التي استندت إليها إدارة جورج بوش لافتعال الحروب ضد العالم الإسلامي بذريعة مكافحة الإرهاب يبدو أنها وصلت إلى حدودها القصوى ولم تعد تنفع كثيراً في استجداء المزيد منها بعد تلك الفضائح والنتائج الكارثية التي وصلت إليها القوات الأميركية في أفغانستان والعراق. فالحروب الأميركية (المدعومة أوروباً) ولدت مجموعة سلبيات وشكلت حالات اعتراض في المجتمعات الغربية نفسها أخذت تلعب أحياناً لمصلحة العالم الإسلامي، الأمر الذي عطل على تلك الإدارات إمكانات افتعال مشكلات جديدة لتبرير المزيد من الحروب.
الإساءة إلى الإسلام والمسلمين ليست مسألة جديدة. الجديد هو في التوقيت وإعادة تجديد الحملة ضد العالم الإسلامي باسم «الثقافة» وحق «الصحافي في التعبير عن رأيه». وترافق التوقيت مع اقدام بعض الأنظمة والحكومات ومنظمات ما يسمى «حقوق الإنسان» في الدفاع عن نشر رسومات تهين كرامة/ وتقلل من احترام أكثر من خمس سكان البشرية.
هذا التوافق بين مجموعات عنصرية وحفنة من الحكومات والهيئات يؤكد وجود مؤشرات على بدء فشل الهجمة «الافرنجية» الجديدة على العالم الإسلامي وحاجة تلك القوى التي تؤمن بتجديد «حروب الفرنجة» إلى عناصر ثقافية (أيديولوجية) تستخدم الكراهية العنصرية لتغطية ذاك الفشل وتبريره سياسياً وفكرياً.
الثقافة جزء من السياسة وأحياناً تلعب دور المحرض أو المحرك لأدوات الحرب. وما حصل أخيراً من تحريض وتحريك من شمال القارة إلى جنوبها ووسطها ليس بعيداً عن أجواء الهجمات العسكرية المستمرة منذ خمس سنوات على العالم الإسلامي. فهذه الهجمة شارفت على النهاية بعد أن استنفدت وقودها وباتت في موقع الضعيف الذي يدافع ويبرر ما ارتكبه من فشل وفضائح. وهذا النوع من المراوحة استدعى كما يبدو البحث عن مصادر جديدة توقد النار مجدداً في أتون الحرب. فهل العالم الإسلامي أمام حرب جديدة تقودها الثقافة، أم هناك خطة عسكرية جديدة تحتاج إلى حرب ثقافية (عنصرية) تستنفر العصبيات وتستفز المشاعر تمهيداً لاتخاذ قرارات مصيرية لا تعرف وجهتها من الآن؟
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1248 - السبت 04 فبراير 2006م الموافق 05 محرم 1427هـ