توفيت فاطمة ابنة الثلاثة عشر ربيعاً صعقاً بالكهرباء! في قرية أبوالعيش بمنطقة سترة! ولم تقتلها الكهرباء صعقا، بل قتلها الفقر المدقع الذي كانت تعيشه هي واخوتها السبعة وأمها العاملة في إحدى المدارس وأبوها المعوق على فراش ما قبل الموت! تجولت في المنزل بنفسي ولو كنت أمتلك ماعزا أو قطيعا من الحيوانات لأشفقت عليه من هذا المنزل الذي لا يقي الحر أو البرد! منزل تزهد فيه حتى الزواحف والقوارض فلا تنام فيه ولا تأكل وكانت فاطمة البحرينية الأصيلة تسكن في إحدى غرفه المتهالكة والمتناثرة أتربتها، والذائبة أسلاكها ولم تكن تمتلك فاطمة وأسرتها إلا انتظار الدور للاستفادة من مشروع البيوت الآيلة إلى السقوط إلا أن الموت كان أسرع من المشروع، فعندما كانت تريد استخدام الماء الذي حسبته باردا كعادته في الشتاء إذا به كهرباء تصعقها صعقاً بفعل الأسلاك الذائبة التي تكهرب كل شيء في المنزل... فمن القاتل الكهرباء أم الفقر؟
كتبت أمس خبر وفاتها على الصفحة الأولى وكتبت أن الأسرة نامت في الظلام الدامس بعد أن دفنت ابنتها المصعوقة بالفقر قبل الكهرباء! نعم نامت ليلة الوحشة في الظلام لأن المنزل أصبح من دون كهرباء بعد أن قطع المعنيون الكهرباء عنه، لأن الأسلاك لم تكن صالحة للتشغيل بعد أن قطعها الفقر الحاد وذوبها الحرمان الملتهب، فأي أم تستطيع أن تفقد ابنتها صباحاً وتنام مع أولادها السبعة مساء في بيت مظلم؟ إنها أم فاطمة التي آثرت النوم في المكان الذي لفظت ابنتها أنفاسها الأخيرة فيه! المصيبة أنني بعد كتابة الخبر توقعت مهاتفة وزارة الإسكان باكرا في اليوم الثاني، أو وزارة التنمية الاجتماعية أو هواتف الكثير من الجمعيات الخيرية التي تنفق الملايين على طباعة إنجازاتها المبهرة... كنت أتوقع منها التبرع للأسرة ولو بشمعة تخرجهم من ظلام الحزن والفقر والاكتئاب إلا أن المتصلين كانوا اثنين فقط وصفا نفسيهما بفاعلي خير وجزاهما الله خيرا، أما وزارة الإسكان صاحبة التسعين مليونا فيبدو أنها لم تقرأ الصحيفة يوم أمس!
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1245 - الأربعاء 01 فبراير 2006م الموافق 02 محرم 1427هـ